هل أصبح تاريخ مصر وسيرة زعمائها وملوكها وحكامها «ملطشة» لكل من هب ودب من هواة الكتابة، وأنصاف المتعلمين والقارئين للتاريخ، وأصحاب شركات الإنتاج الذين فى نفوسهم غرض ما، للإنفاق على أعمال درامية تتناول مرحلة تاريخية وزمنية معينة، دون مراجعة دقيقة من أهل التخصص من المؤرخين مثلما كان يحدث فى الأعمال الدرامية التاريخية التى يقوم بانتاجها التليفزيون المصرى، وتتناول أيضا شخصيات تاريخية.
هناك هجمة شرسة حالية على شخصيات تاريخية حكمت مصر، وتناولتها أعمال درامية سابقة دون تشويه لها أو لسيرتها وسلوكها. وهى قضية يجب الالتفات إليها وهذه مسؤولية دولة بوزاراتها ومؤسساتها المعنية للتصدى لمحاولات بعض الجهلاء العبث بالتاريخ المصرى لتصديره عبر شاشات الفضائيات وكأنه حقائق تاريخية مسلما بها، وخاصة لأجيال جديدة لم تعاصر أو تقرأ كثيرا فى التاريخ المصرى وفى سيرة بعض الزعماء والحكام.
لا نريد أن نقول أن التشويه متعمد، وسوف نفترض حسن النوايا فى إنتاج مسلسلات وأعمال تتناول سيرة حياه الخديو إسماعيل، أو الزعيم جمال عبدالناصر، لكن الإصرار فى هذه الأعمال على دس معلومات خاطئة وتناول الأحداث بعيدا عن الإنصاف والمراجعة العلمية الدقيقة، هو ما يجعلنا نتشكك فى نوايا منتجى هذه الأعمال، رغم الانتاج الضخم الذى يتجاوز فى بعض الأحيان 20 مليون دولار، كما فى مسلسل «سراى عابدين»، فكاتبة المسلسل الكويتية تناولت شخصية الخديو إسماعيل على طريقة حريم السلطان الذى لاهم له سوى الحريم ومغامراته معهن، ولم يفعل شيئا فى حياته إلا مطاردة حريم السراى، ولم يحقق أى إنجاز لمصر طوال 16 عاما، تولى فيها حكم مصر. ورغم عناصر الإبهار فى المسلسل إلا أن كاتبته وقعت فى أخطاء تاريخية فادحة رغم الميزانية الضخمة التى وفرتها لها القناة المنتجة للمسلسل، أبرزها إقامة عيد ميلاد الخديو الثلاثين فى القصر، رغم أن القصر لم يكتمل بناؤه إلا فى العام 1872 والخديو إسماعيل بلغ الثلاثين عام 1860، كما أن إسماعيل لم يكن قد حصل على لقب «خديوى» فى عيد ميلاده الثلاثين، وحصل على اللقب عام 1866، وكان ينادى«بعظمة الخديوى» أو «جناب الخديوى» وليس جلالة الخديو. الأخطاء الأخرى فى المسلسل هى ظهور الملك فؤاد المولود عام 1868 قبل تاريخ ميلاده بثمانى سنوات، أما الخطأ الساذج فهو ظهور أبطال المسلسل بساعة الكوارتز التى تم اختراعها عام 1927.