يبدو أنه عندما يستغل الدين فى السيطرة والاستحواذ على السلطة غالباً ما تتبعه نتيجة واحدة حتمية هى السقوط المدوى.
ومن قراءاتى المتواضعة فى بعض كتب التاريخ توصلت إلى أن هذه القاعدة لا تقتصر فقط على الدين الإسلامى، بل تخص كافة أشكال استبداد الدين ورجاله بالعباد فى مختلف الأديان على مر العصور بشهادة التاريخ.
بداية فى العصور المصرية القديمة (العصر الفرعونى):
كان رجال الدين (كهنة آمون) يستبدون بالمصريين ويلتهمون فى بطونهم الهدايا والعطايا التى يقدما الشعب كقرابين للتقرب إلى الآلهه حسب توجيهات كهنة المعابد وخدام الآلهه!
وقد قويت شوكتهم لدرجة كبيرة وامتدت صلاحياتهم إلى مشاركة بعض ملوك الفراعنة فى السلطة فى كثير من الأوقات، حتى عندما ظهر الملك آمنحتب الرابع (إخناتون) ونادى بعودة عبادة الإله الواحد الأحد (آتون) والذى كان يرمز له بقرص الشمس، دخل فى صراعٍ محتدم مع الكهنة اللذين استشعروا خطر ما نادى به إخناتون على مصالحهم وهيمنتهم الكبيرة.
وقد انتهى هذا الصراع بمهاجمة كهنة آمون لمدينة تل العمارنة (أخيتاتون) وقتل إخناتون، ومن ثم استعادة السيطرة والاستبداد باسم الدين مرة أخرى.
(( اليهود ))
ثم إلى اليهود. وتقديسهم لـ (التلمود) الذى ابتدعوه من تعاليم التوراة والعهد القديم وحوروه بما يتناسب مع شهواتهم وأطماعهم واعتنقوا وقدسوا هذا التلمود حتى أنهم يؤمنون بأن تعاليم حاخامات اليهود أهم من تعاليم التوراة نفسها، وأن مخافة الحاخامات من مخافة الله، والخروج عليهم كفر!
وهكذا أصبح لرجال الدين السيطرة والكلمة العليا وتعاليمهم مقدسة لا خروج عليها على الإطلاق، حيث أصبح الحلال والحرام مفصلاً حسب الهوى والمصلحة، والتلاعب بالدين وإقحامه فى السيطرة على السلطة والإستبداد أمر واقع.
(( المسيحيون ))
بعد انتشار المسيحة فى القرن الخامس الميلادى بحيث أصبحت الديانة الرسمية فى أوروبا فى بداية العصور الوسطى.
حيث اكتسبت الكنيسة ثراءً كبيراً وسلطة على حساب الملوك، كما تمكنت من بناء منظمة شبة سياسية للهيمنة على السلطة، حتى أصبح آنذاك السؤال الأوحد هو من له اليد الطولى فى البلاد، (الملك ممثل السلطة الشرعية أم البابا ممثل السلطة الروحية ؟ )...
وما تبع ذلك من تدنى وتدهور فى كافة مناحى الحياة، حيث اتسمت العصور الوسطى فى أوروبا بالظلام والجهل والتراجع التام، بالإضافة إلى الغرق فى الخزعبلات والاعتقادات الساذجة من سحر وشعوذة وغيرها من آفات الجهل وسيطرة رجال الدين على عقول البسطاء.. فى حين كانت الأمة الإسلامية فى تلك الآونة فى أوج تألقها وتقدمها من حيث انتشار العلم والفكر وكثرة العلماء اللين تمت ترجمة كتاباتهم إلى اللغات الغربية كلها ...
ولم تستطع أوروبا الخروج من هذا الظلام إلا فى بداية العصر الحديث عندما تخلصت من سيطرة واستبداد الكنيسة وتسلط رجال الدين..حيث عادت الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه وبدأت الانطلاقة الحقيقية التى لم نقو نحن على مواكبتها حيث أصابنا ما كان سبباً فى تراجعهم سابقاً.
(( المسلمون ))
ظلت الدولة الإسلامية فى أوج عظمتها وتقدهما وكثرة علمائها ومفكريها، حيث كانت تسير كدين ودولة معاً .ذلك حتى نهايات العصور الوسطى .
ثم حل التدهور بكثرة الصراعات على المناصب فى الخلافة الإسلامية فى العصر الحديث وما تبع ذلك من فتن ومؤامرات وقتل وخيانة تحت لواء دولة الخلافة الإسلامية.
ومع ذلك وبعد انتهاء تلك الحقبة ظهر من علماء المسلمين فى العصور الحديثة من المتنورين الداعين لنبذ القشور والخزعبلات التى ألصقها كثيرون بالدين والدعوة إلى الأخذ بجوهر الدين لا ظاهره أمثال ( جمال الدين الأفغانى وتلميذه الإمام محمد عبده صاحب المقولة الشهيرة عندما زار أوروبا "" رأيت هناك إسلاماً بلا مسلمين، وأرى هنا مسلمين بلا إسلام ) حيث قاد هؤلاء العلماء حركة إصلاحية تنويرية للقضاء على الجمود الفكرى وإعادة إحياء الأمة الإسلامية بما يتناسب مع تطورات العصر. فكان من الطبيعى أن تقام ضدهم حرباً شعواء وانتقاد لا ذع ورفض تام لتلك الأفكار من قِبل دعاة الجمود والرجعية .
كما لم تتوقف المحاولات المستمرة من رجال الدين المستنيرون أمثال (الشيخ محمد متولى الشعراوى) وغيره للقضاء على الأفكار المتطرفة التى يحاول غرسها تجار الدين ومواجهة فكر الجماعات المتطرفة التى تتخذ من الدين ستاراً لتنفيذ مخططاتها وقضاء مصالحها والسعى المستميت للسيطرة على السلطة تحت شعار إحياء الخلافة الإسلامية!
وللأسف كثيراً مما ذكره التاريخ لنا عن الخلافة الإسلامية ما هو إلا مؤامرات وقتل وفتن ودسائس حيث الصراع على السلطة وانتقال الخلافة من عائلة فلان لعائلة علان، فما كانت سوى أرضاً خصبة لإراقة الدماء وتبادل العداء والخوض فى الحروب والنزاعات ...
وكلما تجددت الدعوة لإحياء الخلافة الإسلامية مثلما دعى الإخوان المسلمين، وأحد أذرعهم الإرهابية المسماة بداعش لذلك ورأينا كيف تم تكريس الدين وإقحامه بكل شكل ممكن من ترهيب واستقطاب للبسطاء من أجل تنفيذ المخطط الدنئ فى مصر وعدة دول عربية ومحاولة الإستيلاء على السلطة باسم الإسلام ودولة الخلافة القادمة، كلما تكشفت الحقائق وسقطت الأقنعة وبات من المؤكد أن الحكم الدينى لا جذور له ولا استمرار.
فالدين لله والوطن للجميع .... الدولة مدنية لها ديانة رسمية وتتسع لكافة الأديان الأخرى .
ونهاية لا ذنب للدين فيما يفعله السفهاء ممن يدعون أنهم رجاله .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة