الموضوع تعدى أن يكون فقط ارتفاع أسعار الوقود، فالطبيعى أن يؤثر ارتفاع الوقود على أسعار المواصلات وعلى سلع أخرى، فنتحول من أسعار الوقود إلى وقود فى كل الأسعار. ويعتبر هذا الموضوع هو موضوع الساعة تلك الأيام بين مؤيد ومعارض، مؤيد يرى أنه لا بديل عن رفع أسعار الوقود، من أجل سد عجز الموازنة، وأن هذا كان سيحدث عاجلا أم آجلا، وأن التوفير سينعكس على تطوير الخدمات فى الصحة، والتعليم، والمعاشات، والضمان الاجتماعى، والحد الأدنى للأجور، ولكن لا نعرف كيف ومتى سنشعر بهذا الانعكاس؟!. ومؤيد آخر يرى أن هذا الرفع للدعم يعد رفعا تدريجيا، ولابد أن يحدث معه على التوازى زيادة للأجور، وتحسين الخدمات، وأن هذا هو الطريق الأمثل من أجل القضاء على مسلسل الفساد المتواصل فى سرقة الدعم. ومعارض يرى أن رفع الدعم ليس حلا، وأنه امتصاص لدماء الفقراء دون المساس بالأغنياء، فالبنزين 80 و92 شهدا ارتفاعا بين 65 و%80، فى حين أن البنزين 95 شهد ارتفاعا %7 فقط، متجاهلا بأنه وصل للسعر العالمى. ورأى آخر بين ذلك وذلك، يرى أن رفع أسعار الطاقة خطوة كانت ستحدث عاجلا أم آجلا بسبب عجز الموازنة، ولكن مصدر الخلاف هو حجم رفع الأسعار وسرعتها، وإعادة توزيع الدعم، مع رفض قاطع لقيمة الزيادة الكبيرة التى ستؤدى لارتفاع هيستيرى فى أسعار السلع والخدمات. كل تلك الآراء بالإضافة إلى تجارب سابقة فى فشل الدولة فى عمل آليات للرقابة على الأسواق، ووضع منظومة للأسعار يلتزم بها الجميع.
وبمتابعة ردود الأفعال لتيارات مختلفة حول هذه القرارات وجدتها أحيانا متشابهة مع الاتجاه السياسى، فالمعارض للنظام ضد القرارات والمؤيد للنظام مع القرارات، مع أن تحليل الآثار الإيجابية والسلبية لقرار زيادة الأسعار لابد أن يخضع لوجهات نظر اقتصادية متخصصة وموضوعية، بعيدا عن كل المزايدات والانتماءات السياسية. ولأننى لست خبيرة اقتصادية فرأيت أنه من الأفضل أن أنقل نظرة تحليلية موضوعية لخبير اقتصادى أرى دائما موضوعيته فى التعليق على الأحداث، وأن وجهة نظره تعد من مصدر تكنوقراط وليس مصدرا سياسيا، وهو الدكتور هشام صلاح دكتور، فى الاقتصاد جامعة عين شمس وخبير اقتصادى ومحاضر دولى، وقد نشر تحليله على موقعه الخاص على شبكات التواصل الاجتماعى وقال: «قبل اتخاذ أى قرارات بتحريك أسعار الوقود كان لابد من دراسة شاملة لتأثيرات هذا القرار، واتخاذ حزمة قرارات اقتصادية تحفز الاقتصاد، وتنشط السوق، وتحارب الركود والتضخم معا، حتى يتسنى للمجتمع امتصاص صدمة الزيادة الحتمية، ولكن سنة كاملة لم يتم اتخاذ أى شىء للتحضير لذلك. إن زيادة سعر أى سلعة استراتيجية، خاصة الداخلة فى وسائل النقل يتبعه فى الاقتصاديات غير المنضبطة زيادة فى جميع أسعار السلع بمقدار الضعف، وأن رفع الأسعار له مميزات يجب الاستفادة منها، وله عيوب يجب العمل سريعا على تخفيف آثارها السلبية. وأن رفع سعر البنزين والسولار سيؤدى لرفع أسعار جميع السلع، بسبب تكلفة النقل، فلابد من الرقابة الشديدة على الأسواق. وأيضا رفع الأسعار سيؤدى لانخفاض فى دخل المواطن الحقيقى فورا «وليس النقدى»، فى الوقت الذى لم يشعر بالعلاوة الجديدة التى ستصرف فى آخر شهر يوليو مع المرتب. وأخيرا رفع الأسعار له ميزة كبرى فى تخفيف عبء عجز الموازنة يجب الاستفادة منها، وتوجيهها التوجيه الصحيح، «وهنا أعقب على رفع أسعار السجائر والكحول، وأرى أن الرفع هنا إيجابى، وذلك لأنها سلع ليست أساسية، ولن يؤثر ارتفاعها على سلع أخرى أو خدمات. وإذا تم بالفعل إتاحة عشر مواد تموينية مدعمة على بطاقة التموين سيكون هناك توازن فعلى محمود بين ذلك وزيادة أسعار الوقود.
ومن هنا كنا ننتظر أن تقوم الحكومة على رأسها رئيس الوزراء بإعلان التعريفة الجديدة للمواصلات فى كل وسائل الإعلام، وأن تنشر وتعلق فى كل المحطات والمواقف، وأن تتأكد حكومته من ذلك فور إعلان القرار بزيادة الأسعار، بدلا من التصريحات التى أراها غريبة وغير منطقية، من أن رئيس الوزراء عقد جلسات مع السائقين، ووعدوه بالالتزام بالأسعار الجديدة!! فآليات ضبط الأسعار لا تحدث بالجلسات والعهود، فنحن نتحدث عن دولة وقانون وليس عن أعراف داخل أسرة أو مجموعة من الأسر. والمهم والأهم هو ما ستشهده الأيام القليلة القادمة من رد فعل الطبقة الكادحة الفقيرة بالفعل، هل ستدرك أن هذه سياسة لابد منها، وستصبر وتتحمل وتتكيف، أم سترفض وتحتج وتلجأ الدولة إلى وضع آليات حكمية للتعامل مع هذا الرفض والاحتجاج؟! الدولة التى تجاهلت وضع آليات مسبقة بنفسها لرفع وعى هذه الطبقة، وأن تقدم لهم الحلول العملية لهم لكى يتناسب حجم الدخل مع حجم الإنفاق، فكيف سيواجهون هذا الغلاء بمفردهم؟؟!
ومع كل هذه القرارات سواء الخاصة بارتفاع الأسعار، أو تطبيق الحد الأقصى للأجور، أو قانون المرور الجديد، أو غيرها، تجعلنا نقف وقفة سليمة مع النفس، ونؤيد القرار السليم وندعمه، ونرفض القرار الخاطئ، وأن نعلم جيدا أن سواء التطبيل من جهة، والرفض بالمزايدات السياسية من جهة أخرى، ليس فى مصلحة أحد الآن، لا مواطن ولا شعب ولا دولة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة