مثل غيرى من النقاد، اتخذت موقفا من سينما محمد رمضان.. وكنت أرى صراحة أن السينما التى يقدمها رمضان مع آلِ السبكى، هى سينما خالية من الجماليات، ترسخ لمفهوم البطل الذى يأخذ حقه بيده، ولم أشغل نفسى كثيرًا، بالشعبية الكاسحة التى حققها رمضان بأفلامه «الألمانى»، «عبده موته»، و«قلب الأسد»، حيث صار نموذجا يحتذى به الشباب والمراهقون، لدرجة أن بعضهم كان يقف أمام باب السينما ويقلده.
لم ننشغل كثيرًا بما وراء تلك الظاهرة أو محاولة تفسيرها، فقط اكتفينا برفض تلك النوعية من الأفلام، رغم أن رمضان كان يحاول تقديم نفسه، وصنع شعبية يعتمد عليها فيما يقدمه من أعمال بعد ذلك، سواء يخطط لذلك بوعى، أو بالفطرة، لذلك أعترف أن رمضان وما حققه من شعبية يحتاج لدراسة تحليلية، مثله مثل الكثير من الفنانين الذين حققوا طفرات فى مشوارهم من إيرادات كبيرة، وصولا لشعبية جارفة.
لذلك فاجأنى مسلسل رمضان الذى يشارك به هذا العام وسط كبار نجوم الدراما، والذى كنت أتابعه فى البداية من باب الفضول، ولأرى هل سيقدم رمضان نفس طبخته السينمائية، أم سيكون فى جعبته الكثير والجديد، وبالفعل جاء رمضان ومسلسله «ابن حلال» خارج توقعاتى، فنحن أمام مسلسل شديد الإحكام فى بنائه الدرامى.. عوالم متداخله تشرح المجتمع المصرى بكل تناقضاته، بدءًا من طبقة المهمشين «عمال اليومية البسطاء» من خلال شخصية «حبيشة» الصعيدى الشهم، الذى وفد إلى القاهرة، وبات مسؤولًا عن والدته، تجسدها هالة فاخر، وشقيقته المحبطة التى ترغب فى الزواج والخروج من تلك الحارة، تجسدها بمهارة سهر الصايغ، تلك الموهبة التى أطلقها وحيد حامد العام الماضى فى مسلسله «بدون ذكر أسماء»، ومن خلال «حبيشة»، نرى الحارة المصرية بكل تطوراتها، شخصية الجار البخيل، يجسدها الفنان القدير محمود الجندى بعبقرية، ذلك الأب الذى لا يتردد فى أن يبيع حتى ابنته لثرى عربى من أجل القرش، والذى يلقى بابنه، يجسده حسام داغر، بصدق ووعى عاريا فى الشارع، والذى لا يتورع عن ضرب زوجته بالخرطوم وإهانتها طوال الوقت، لدرجة أنها تشعل النار فى جسدها، وهناك عالم آخر وطبقة أخرى فوق المتوسطة، تنتمى إليها الصحفية فاطمة بيومى، تجسدها ريهام سعيد، «هى أقل الممثلين فى المسلسل»، وضابط الشرطة النزيه، يجسده محمد سليمان، والذى من خلاله نتعرف على أسرته، البسيطة والمترابطة، وهناك عالم الممثلة المشهورة صاحبة العلاقات المتعددة وتحديدًا بمن يصغرونها فى السن، تجسدها وفاء عامر بشجاعة، لأنه دور كان من الممكن أن تخشى منه الكثير من النجمات، ولم تتردد وفاء فى تقديم مشاهد جريئة، فى علاقتها بواحد من هؤلاء الشباب والذى تتزوجه، وهو العالم الملىء بالخراب وتفسخ العلاقات، وبالطبع هناك أصحاب السلطة والنفوذ الذين يديرون كل هذه العوالم، بما يتماشى مع مصلحتهم.ذ وبغض النظر عن الآخرين الذين قد يتحولون لضحايا أصحاب السلطة والنفوذ، فإن «ابن حلال» ليس مجرد عمل درامى لنجم يخطو أولى خطواته فى الدراما التليفزيونية، بل هو عمل جرىء بكل معانى الكلمة، ذكرنى بتدريب شهير فى قسم السيناريو بالمعهد العالى للسينما، عندما كان يُطلب منا أن نكتب سيناريو متخيلا بين قطة من بولاق أبوالعلا تصادف قطة من حى الزمالك لنكشف تناقضات العالمين، هذا ما فعله رمضان وفريق العمل معه المؤلف حسان دهشان والمخرج إبراهيم فخر والذين تمكنوا من تعرية المجتمع بكل تناقضاته.
وبصرف النظر عن أن المسلسل يعتمد فى بنائه على نميمة مجتمعية، ويستمد خطوطا من حادث مقتل ابنة المطربة ليلى غفران، تلك القضية التى شغلت الرأى العام لفترة، إلا أن المؤلف حسان دهشان، استطاع أن يخرج من نطاق النميمة، إلى عمل فنى محكم دراميًا، وكاشف لمجتمعنا الذى يئن من الفساد، ويكشف بشجاعة ودون صراخ كيف يمكن أن يقوم بعض الضباط بطبخ قضية وإلصاق التهمة ببرىء تصادف وجوده فى مكان الجريمة، وكيف يتم التضحية بالغلابة حماية للكبار وأبنائهم.