إلغاء حكم منع ترشح أعضاء الحزب الوطنى للبرلمان كان متوقعًا، لا لأن القضاء- مدعومًا من النظام- يريد هذا، ولكن لأن الحكم الأول كان غير منطقى، ولأنه لا يجوز استبعاد أو عزل أحد إلا بحكم قضائى.. الحكم الأول كان ضحكًا على الناس، وإيهامهم بأن ثورة يناير انتصرت، ولكى تتوقف دعوات صادقة فى الشارع لإنشاء محاكمات ثورية.. إلغاء الحكم لن يعيد الحزب الوطنى إلى الحكم، الكل يعرف هذا، والذين اعتبروه انتصارًا لهم وللحق يعرفون أن الدنيا تغيرت، وأنه حتى لو كانت المؤشرات توحى بأنهم استعادوا بعضًا من نفوذهم فى أجهزة الدولة، فهذا لا يعنى أنهم عادوا.. الحزب لم يكن حزباً ولا حاجة، كان عصابة مصالح تمكنت من مفاصل البلد، ووزعت ثرواته فيما بينها، وأفسدت الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وأودت بنا إلى هذا المصير.
نخبة هذا الحزب الاقتصادية هى التى اشترت القطاع العام بتراب الفلوس، وهى التى استولت على أرض الدولة لتبنى عليها المدن والملاهى، وهى التى اقتطعت مساحات شاسعة فى الصحراء الشرقية لتغرف من خيراتها لتبليط المستقبل، هذه النخبة منحها صفوت الشريف الفضاء أيضًا، ورخص لها القنوات والصحف التى تشكل الرأى العام، وأصبحوا أكثر نفوذًا من الدولة التى صنعتهم.. هؤلاء لن يترشحوا للانتخابات المقبلة، لكنهم يسعون إلى عمل برلمان يدافع عن مكتسباتهم، ويذلل العقبات أمام استثماراتهم.. سينفقون بلا هوادة من أجل هذا، وسيعقدون اجتماعات تحالفية وطنية متينة لإنقاذ مصر من فقرائها، وفى الوقت نفسه يشعرونك وأنت تطالبهم بالتبرع من الثروات التى سرقوها.. أنهم يتفضلون عليك!