قضيت أكثر من أسبوع فى إندونيسيا وعاصمتها جاكارتا.. تأملت هذه البلاد جيدا ًحاولت تأمل كل شىء.. المرور.. الطريق.. السكك الحديدية.. الإنسان الأندونيسى.. الفقراء.. الأغنياء قدر جهدى.. وقد قدر لى أن أحضر انتخابات الرئاسة هناك التى توافقت مع رحلتنا الدعوية. وها أنذا أسطر بعض تأملاتى هذا العام عن إندونيسيا.. أسطرها بعين الإنسان قبل كل شىء: كانت السكك الحديدية فى إندونيسيا سيئة جداً وكان بعض الركاب يقفون فى طرقات العربات وبعضهم على الأبواب وبعضهم قد يركب فوق القطار مثلما يحدث فى الهند وغيرها إلى أن اتخذت الحكومة قرارا حاسما بمنع وقوف أى راكب فى أى قطار وأن جميع الركاب لابد أن تكون لهم مقاعد فى القطار سواء ً المكيف أو المميز وقد لاحظت أن معظم القطارات مكيفة وقد أخبرنى المترجمون الذين تخرجوا من جامعة الأزهر أن الجيش الإندونيسى نفسه هو الذى أشرف على منع أى بائع متجول من دخول القطارات ومنع أى راكب لم يحجز مقعدا ومنع أى راكب من الوقوف على الباب أو التسلق فوق القطار وقد تم ذلك الأمر منذ عامين فقط.
لاحظت أن محطة العاصمة جاكارتا الرئيسية مكيفة الهواء وقد تذكرت هذا الأمر حينما وجدت الركاب فى محطة رمسيس يصلون نارا تلظى وهم معرضون للشمس والحر وبعضهم جالس فى القطار المميز الذى تصليه الشمس من كل اتجاه لمدة ساعة قبل تحركه من المحطة وكلهم صائمون فى رمضان وقبل أن يتحرك القطار من رمسيس وجدت كل عربات القطار والأرفف وحتى الأبواب امتلأت بالبشر وكأنهم حشروا حشراً فى القطار المميز.
لاحظت أن جميع التاكسيات فى إندونيسيا مكيفة الهواء ولم أجد واحداً فقط يفتح زجاج السيارة وكل التاكسيات من ماركات عالمية راقية وحديثة جدا وحينما قارنتها بتاكسى إسكندرية وكله «لادا» قديم جداً ومتهالك تحسرت على أحوالنا. جميع إشارات العاصمة جاكارتا أتوماتيكية ولا يوجد عسكرى مرور على الإطلاق إلا كاستثناء فى وقت الذروة فى بعض المحاور. وقد تأملت الشوارع كثيراً حتى فى ساعات ما قبل الفجر فلم أجد أحدا يكسر الإشارة أبدا حتى قبل الفجر أو بعده .
العاصمة جاكارتا مزدحمة جدا جداً ويزيد من زحامها هطول الأمطار الغزيرة يومياً طوال العام ولم أشاهد أو أسمع طوال هذه الفترة عن أى خناقة بين السائقين حتى إذا جئت إلى مصر شهدت خناقة «لرب السما» فى الإسكندرية بين بعض السائقين وشتم ولعن وسب للدين فى شهر رمضان فقلت ما هذا الذى يحدث فى بلد الأزهر.
«الفيزبا» الموتوسيكل الصغير هو وسيلة المواصلات الرئيسية للمواطن الإندونيسى حتى إنك ترى محلات بيع «الفيزبا» الموتوسيكل الصغير فى كل مكان ويقدر البعض أن كل أندونيسى يملك فيزبا تقريبا.
ويمكنك أن ترى فى إشارة مرور واحدة قرابة 500 «فيزبا» ولا يمكن أن تضبط قائداً لها دون خوذة فى أى ساعة من ليل أو نهار أو يتخطى الإشارة أو يهرب منها.. وقد تحدى بعضنا بعضاً فى هذا الأمر.. والأندونيسى يُردف زوجته خلفه وابنه الصغير أمامه على الفيزبا. الأتوبيس العام فى جاكارتا مكيف الهواء ومكون من أتوبيسين مدمجين وله طريق خاص به لا تسير فيه أى سيارة تحت أى ظرف ولهذا هو أسرع من أى سيارة ملاكى مهما كانت مكانة صاحبها.
فى إندونيسيا أكثر من سبعة أديان وتجد المساجد وكذلك الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية والمعابد الصينية متجاورة متقاربة دون حراسات أو مدرعات أمام هذه أو تلك ودون أن تسمع عن أحد يفجر معابد الآخر.. كما يحدث فى العراق مع مسلمين سنة وشيعة.. فهذا يفجر مساجد الآخر وقت اكتظاظها بالمصلين أو تجد مجموعة تدخل على عالم مثل د/ البوطى وتغتاله فى المسجد للخلاف السياسى بينهما أو مجموعة من طالبان تغتال أكبر علماء أفغانستان وأولهم حصولاً على الدكتوراه فى الشريعة فيها وهو د/ برهان الدين ربانى!
شاهدت قدراً فى إندونيسيا فى هذه الفترة انتخابات الرئاسة الإندونيسيا وكانت بين اثنين من المرشحين أحدهما كان قائداً للقوات الخاصة وزميلا سابقاً للملك عبدالله ملك الأردن فى الأكاديمية العسكرية الأمريكية.
والآخر مدنى يشبه أوباما شكلاً وموضوعا وقد شاهدت مؤتمراً له فى إحدى القنوات الإندونيسية المشهورة حضره شاب كفيف وتحدث مع المرشح وقبله وحضره معوقون حركيا وذهنياً مع نوعيات أخرى مختلفة من الشباب وغيرهم. وقد لاحظت أن كلا المرشحين وكذلك المسؤولين الرسميين يلبسون ملابس بسيطة جدا.
وقد تجولت مرات كثيرة فى العاصمة جاكارتا فلم أجد ما أراه فى مصر أيام الانتخابات من تلطيخ الجدران بأوراق الدعاية أو الكتابة على الجدران ولم أجد فى جاكارتا ورقة للدعاية ملصقة على حائط أو كتابة على جدار ولكن يفط كبيرة تعلق على مفارق الطرق بحيث تزال بعد ذلك دون أن تترك أى أثر أو تلطيخ. وكل مؤتمرات المرشحين كانت داخل قاعات فلم نلاحظ أى مؤتمرات أو تجمعات أو تظاهرات انتخابية فى الشوارع فضلا عن التلاسن والشتائم أو رفع الأحذية على صور المرشح المنافس.. كما حدث فى أيام انتخابات د/ مرسى والفريق شفيق. لم أعرف معنى قوله تعالى «وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً» إلا فى إندونيسيا.. حيث ترى الأشجار متشابكة فلا ترى منها الأرض أحياناً أو لا ترى ما خلفها.
وعموما فقد تركب القطار سبع ساعات كاملة فلا ترى بقعة صحراء صفراء فى البلاد كلها.. فكلها خضرة فى خضرة.. ولا تجد شجرة عليها تراب أو غبار لأن الأمطار تغسل الأشجار طوال العام وتغسل كذلك الشوارع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة