أسهل شىء هو صدور قرار بعزل وزير الداخلية وأن يتحمل مسؤولية سقوط شهداء الشرطة وأن نكيل فى وجهه كل اتهامات الإهمال والتقصير وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على حياة أفراد الشرطة ولكن إذا حدث ذلك هل تتوقف عمليات استهداف الشرطة وقتل ضباطها وجنودها؟. أولا: الضربة التى تلقتها الشرطة فى 25 يناير لن تزول آثارها بتغيير وزير أو عشرة فلم تقتصر على الضرر المادى بحرق واقتحام السجون والأقسام وإنما امتدت إلى الإيذاء المعنوى بإهدار هيبة الشرطة فتطاول عليها المجرمون والخاجون عن القانون ووصل الأمر إلى حد أن البلطجية والفتوات يقومون بحماية وتأمين الضباط، أو يشهرون السلاح فى وجوههم ويطلقون عليهم الرصاص، وسقطت هيبة القانون وسلطة الدولة، وتحول وزراء الداخلية الذين جاءوا بعد ذلك إلى دمى يخضعون للابتزاز وينفذون ما يُملى عليهم من الإرهابيين الذين قفزوا فوق أكتاف السلطة.
ثانيا: فى الثمانينيات والتسعينيات حدثت اغتيالات مماثلة لرجال الشرطة وكانت الداخلية أكثر قوة وشراسة من الآن ولم تتوقف تلك الجرائم إلا بعد مواجهات ضارية مع الإرهاب والإرهابيين استمرت عشر سنوات، والوضع الآن أكثر تعقيدا وصعوبة حتى لو جاء وزير داخلية جديد كل يوم، ويحتاج تضافر الجهود وتوفير الإمكانيات المادية لرجال الشرطة، ومظلة من الحماية القانونية لهم أثناء آداء مهامهم. ثالثا: يحسب لوزير الداخلية الحالى أنه يبذل قصارى جهده لإعادة إحياء جهاز أمن الدولة الذى تعرض لأكبر عملية تصفية فى تاريخه على يد الجماعة الإرهابية ففقدت الدولة كنز المعلومات الذى كونته على مدى سنوات طويلة عن العناصر الإرهابية وشبكاتها وتمويلها وللأسف الشديد فقد تم ذلك على أيدى ومباركة وزراء داخلية سابقين نافقوا الجماعة الإرهابية وخانوا واحبهم الوطنى للاستمرار على كراسيهم فأصبح الإرهابيون والسوابق وأرباب السجون هم الذين ينكلون بالضباط ويضعون الخطط الأمنية تحت الشعار الكاذب «الشعب يريد تطهير الداخلية» وكان التطهير يعنى ضرب جهاز الأمن وتفكيك عناصره.
رابعا: أصابت حالة الانفلات والتمرد والعصيان التى عمت البلاد جهاز الشرطة وضربت الانضباط فى مقتل فأصبح أمناء الشرطة يحبسون الضباط فى الأقسام ومديريات الأمن وتفاخر الضباط الملتحون بإخلالهم بقوانين ونظم الشرطة ونشأت تنظيمات الضباط الثورية، وغيرها من صور التسيب التى أضعفت جهاز الشرطة وأدت إلى الفراغ الأمنى الكبير. خامسا: تقع الشرطة الآن فى خطأ جسيم حين تحاول استرداد قوتها وهيبتها عن طريق ما يطلق عليه «الأمن الكاذب» بتكثيف الحملات المرورية وتضييع الوقت والجهد فى غرامات الموبايل والحزام، فالأهم من ذلك هو «الأمن الحقيقى» باقتحام مناطق عصابات سرقة السيارات وغزو أوكار المجرمين والبلطجية وتجار المخدرات والتواجد المكثف والرشيق فوق المحاور والكبارى والمناطق التى يعسكر فيها اللصوص وقطاع الطرق وتجفيف هذه المنابع هو الذى يعيد هيبة الشرطة وطمأنينة الناس.
سد الثغرات قبل تغيير وزير الداخلية، هو الذى يوقف اغتيالات أفراد الشرطة لأننا نواجه إرهابا خسيسا يتسلح بأقذر أنواع أسلحة القتل ويزرعها فى الأماكن المزدحمة لإسقاط أكبر عدد من الضحايا وقدر الشرطة أن تخوض حربا طويلة لتحرير مصر من عدو أكثر قبحا من المستعمر الأجنبى، حرب لن تنتهى بين يوم وليلة وتحتاج اليقظة والحسم والمواجهة، والضرب فى سويداء القلب فالعين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم.