أثار تصريح المخرجة إيناس الدغيدى، أن ترخيص الدعارة يصب فى مصلحة الوطن، خلال لقائها مع الإعلامية، سمر يسرى فى برنامج "ليلة" المذاع على قناة النهار جدلا واسعا، خاصة عندما أشارت إلى أنه كان أمرا طبيعيا فى الماضى، ولا نستطع الآن تحقيقه على الرغم من أنه من الممكن أن يصون المجتمع إذا حاصرته وراقبته الدولة، على حد قولها.
ولم يكن التصريح الأول الذى تعلن من خلاله المخرجة، عن رأيها فى القضية الشائكة، بل أنها كثيرا ما أعلنت ذلك بكل جرأة، والعودة إلى الحقبة التى كانت ترخص بها ممارسة الدعارة، فى أماكن مصرحة فى مصر مثل كلوت بك ودرب الهوى وغيرهما، مؤكدة أهمية إعادة التجربة مع رقابة من الدولة، لمواجهة السلبيات التى يواجهها مجتمعنا الآن من تأخر سن الزواج وظاهرة التحرش، الذى يعتبر البعض أن سببها الأساسى يكمن فى الحرمان الجنسى، الذى يعانى منه الشباب والرجال فى مصر.
ومازالت السمعة السيئة، تطارد سكان الأماكن التى كانت تمارس البغاء رسميا فى الماضى، مثل "كلوت بك، وشارع البركة، ودرب طياب، وعطفة الجينينة، والحوض المرصود، على الرغم من مرور أكثر من 62 عاما على إلغاء التراخيص، وتزعجهم إلى درجة جعلتهم يحفظون تاريخ الشوارع محاولين أن يجدوا ما يبرر هذه الأفعال بتلك الفترة.
وقال الحاج أحمد أبو زيد، 76 سنة، أحد سكان "كلوت بك" بوسط القاهرة، "كنت أتمنى ميكنش ده تاريخ الشارع اللى ساكن فيه، لكن هذا حكم التاريخ الذى لا نستطع تغييره، لكنه يهون على نفسه بقصة يفخر بها الشارع الذى اشتهر بتجارة المتعة".
ويكمل "أبو زيد"، "بعد الحرب العالمية كان العساكر الإنجليز فى مصر كتير ومحتاجين للترفيه، لكن العاهرات المصريات كان لديهم موقف مشرف فى تاريخهم، ورفضوا ممارسة الجنس مع جنود الاحتلال بدافع وحس وطنى".
وكان رد فعل الإنجليز هو استيراد عاهرات أجنبيات إلى مصر، حسبما قال حسين جاب الله، 62 سنة، أحد سكان "درب طياب" بالأزبكية، والذى وصف منطقته "بحى الدعارة المستوردة"، قائلا "بعد موقف العاهرات المصريات بدأت حركة استيراد كبيرة لعاهرات أجانب، وكان شارعنا يضم عاهرات أجانب من جنسيات مختلفة، وكان له باب خاص مقفول عليه كنوع من الطبقية، لأنه كان مخصصا للأجانب وكبار البلد، واللوكاندات وقتها كانت وكرا لممارسة الدعارة، وكان أشهرها لوكاندة البرنسات".
ويحكى عادل محمد، أحد سكان منطقة الحوض المرصود، بالسيدة زينب، قصة المنطقة مع ترخيص الدعارة، والفشل فى الحد من الأمراض التى تفشت كنتاج طبيعى لتكرار عمليات الاتصال الجنسى بين العاهرات والزبائن.
ويقول "عادل"، "المكان أيام الاحتلال كان عبارة عن مبنى تتردد عليه العاهرات للكشف عليهن لتجديد رخصتهن، ومع ذلك انتشرت الأمراض بين العاهرات، لهروبهن من فترات العلاج لممارسة المهنة مرة ثانية، وبدأت عدوى الأمراض التناسلية فى الانتشار، حتى بنى الخديوى إسماعيل الحوض المرصود لعلاج أمراض الجلد والتناسلية، وعلى الرغم من مراقبة الدولة لأعماله التى تتلخص فى الكشف على العاهرات وترخيص السليم منهم، ووقف المريض عن ممارسة المهنة، إلا أنه فشل فى الحد من انتشار الأمراض والأوبئة".
ومصطلحات "بدرونة، عايقة، برمجى، سحاب، قنطورة" لا يعرفها سوى أهالى هذه الأحياء ليس حبا إنما إلماما بتاريخ لا يريدون أن يتكرر لما حمله من جرائم لم تقتصر على ممارسة البغاء، إنما وصلت لحد السرقة والتشويه بل والقتل فى بعض الأحيان، ويصفها عبد القادر حسن أحد سكان عطفة الجنينة، بالأزبكية، أنها عبارة عن هرم وظيفى فى عالم الدعارة آنذاك، قائلا "كان أى بيت دعارة بيتكون من درجات، بداية من القواد مرورا بـ"البدرونة أو العايقة"، المسئولة عن تأجير العاهرات ومراقبتهم و"البرمجى" بلطجى وهو المسئول عن العاهرات، وتصرف عليه مقابل معاشرتها وحمايتها"، و"السحاب" أقلهم قيمة ووظفته اصطياد الفتيات من الشوارع وتصديرهن للبيوت، أما العاهرة أو "القنطورة" كانت تستغل أسوء استغلال من دون مقابل يذكر، واشتهرت "عطفة الجنينة" بحوادث قتل وتعذيب وتشويه كثيرة للعاهرات اللاتى يفكرن فى الهرب، كشفتها إدارة تنظيم الدعارة التابعة للشرطة وقتها".
وأكد أحمد حسين عمارة، صاحب الدراسات التاريخية المتخصصة، فى فترة الدعارة المرخصة وما قبل ثورة 52، صحة معظم القصص التى يرويها الأهالى، رافضا الاتجاه الجديد الذى يرى فى إعادة تفعيل التراخيص لممارسة البغى فى مصر، كونه يصب فى صالح المجتمع، قائلا "هذه المرحلة من تاريخ مصر، مقحمة علينا بعد مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر، وإنشائهم أبنية للبغاء للترفيه عن جنودهم، ثم تحولت بعد ذلك إلى تجارة، حيث أصبح لا يسمح بدخولها إلا بتصاريح ورسوم".
ويشير "عمارة"، إلى أن محمد على فرض "ضريبة البغاء" لفترة ما، ثم بدأ البغاء بعد ذلك فى الخضوع للتنظيم والتسجيل منذ تطبيق اللائحة التى سميت بتعليمات بيوت العاهرات، فى عهد الاحتلال الإنجليزى، واستمر العمل بها حتى ألغيت نهائيا عام 1952 بعد ثورة 23 يوليو، لما سببته من انهيار مجتمعى على المستوى الأخلاقى، وممارسة العهر مع غير المرخصات، الأمر الذى رفضته كل الأديان السماوية من جانب، ومن جانب آخر كان سببا رئيسيا فى تفشى الأمراض التناسلية، التى انتقلت عبر عمليات الاتصال الجنسى المتكررة.
وأوضح "عمارة"، أنها تسببت أيضا فى رفع معدل الجريمة والقتل والتعذيب والبلطجة، التى مورست من أجل حماية هذه التجارة، لافتا إلى أننا لا يمكننا أن نعيد تجربة حتى لو تجاهلنا حرمانيتها، مشددا "تظل أضرارها أضخم بكثير من المزايا التى يزعمها البعض".
أخبار متعلقة:
"طقات فنية".. فنانون يدعون الدولة للسماح بـ"الرذيلة" لمواجهة التحرش.. إيناس الدغيدى: ترخيص بيوت الدعارة يصون المجتمع.. عمرو سعد يطالب بالحرية الجنسية.. هالة صدقى: "الشباب بيتحرش لأنه مش بيرقص"
أحياء ممارسة البغاء قديما تتبرأ من تاريخها..سكان"كلوت بك":نريد محو عار لحق بمنطقتنا..وأهالى"درب طياب":الإنجليز استوردوا عاهرات بعد رفض المصريات..وباحث ردا على الدغيدى:الدعارة لم تكن يوما فى صالح الوطن
الخميس، 24 يوليو 2014 04:21 ص
المخرجة إيناس الدغيدى
كتبت جهاد الدينارى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة