ناجح إبراهيم

الفرافرة الثانية.. دروس من قلب المأساة

الخميس، 24 يوليو 2014 10:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت مصر كلها ذلك الهجوم الغادر الذى قامت به مجموعة تكفيرية إرهابية على نقطة الفرافرة 111 لحرس الحدود المصرى.. كانت المجموعة التكفيرية الإرهابية تتكون من 20 فرداً بحسب المتحدث العسكرى يستقلون 4 سيارات دفع رباعى.. أحدها تحمل براميل بها مواد شديدة الانفجار ومسلحين ببنادق حديثة وقنابل يدوية وقواذف RBJ.. وقع الهجوم الساعة الثانية ظهر السبت الماضى.. بدأ الهجوم على أرجح الأقوال باندفاع انتحارى مرتدياً حزاماً ناسفاً نحو الوحدة.. تبين أن إحدى السيارات المهاجمة سرقت من نفس الوحدة فى هجوم تكفيرى إرهابى سابق.. كان السبب فى زيادة خسائر الوحدة العسكرية هو انفجار أنبوبة البوتاجاز بداخل الوحدة مما أحدث حريقاً هائلاً فى الكمين انتهى الهجوم بمقتل جميع أفراد الكمين وعددهم 22 ضابطا وجنديا.. هرب باقى الإرهابيين.. تاركين سيارة بها 2 طن متفجيرات كما عثرت قوات الأمن التى مشطت المنطقة بعد الحادث على قنبلة شديدة الانفجار بالإضافة إلى جثة أحدهم مع بعض متعلقات آخر تبين أنه يسكن بالقرب من منطقة الوادى الجديد.. وكان يزمع الهرب إلى منطقة «دلجا بالمنيا».

هذا هو الحادث الخطير والهجوم البشع الذى هز مصر كلها حكومة وشعباً وجيشاً.. فماذا عن القراءة المتأنية لمثل هذا الحادث الخطير لعله يكون الأخير ولعلنا نستفيد من تجاربنا الأليمة المتكررة:

أولاً : أن سيناريو هذا الحادث قد تكرر فى نفس هذه الوحدة العسكرية قبل قرابة شهرين وأعتقد أن نفس المجموعة التى هاجمته منذ شهرين هى نفس المجموعة بنفس التخطيط والتكتيك والتنفيذ ولكن كانت فى الأولى بخسائر أقل.. وتم التعتيم على الأمر وظن البعض أن مهربين قاموا بذلك مع أن كل من يعرف المهربين يدرك أنهم لا يحبون الاشتباك مع القوات وأنهم على استعداد لترك صفقتهم من السلاح أو المخدرات ولا يعمدون أبداً للاشتباك مع قوات الجيش بالذات وخاصة عندما تكون الدولة قوية مثل هذه الأيام.. كما أن جميع المهربين قاموا بالواجب وزيادة وهربوا كل ما يريدون خلال السنوات الثلاثة الماضية بعد ثورة 25 يناير.. «والأشية عندهم معدن».

أما الذين يريدون ويحبون ويعشقون قتل الجيش المصرى وكل الجيوش العربية ويتقربون إلى الله بذلك فهم التكفيريون وحدهم، إن عدم الإفصاح عن الهجوم الأول والاستفادة من دروسه ومعالجة أوجه القصور فيه كان دافعا إلى تكراره بصورة أبشع وقتل المزيد والمزيد من جنودنا.
ثانياً: أن هذا الحادث يعد إيذانا بفتح الجبهة الليبية الغربية على مصر.. وقد حذر الكثيرون من الجماعات التكفيرية التى تتخذ من الحدود المصرية الليبية بين بنغازى والسلوم موطئ قدم لها ولكن البعض سخر من هذا الاستشراف المستقبلى وشكك فى وجود هذه المجموعات المسلحة مع أن استعراضاتها العسكرية كانت تنشر على النت.. وقوة تسليحها كانت معلومة للجميع.. إذ أنها ورثت معظم أسلحة الجيش الليبى المتطورة فضلا عن غياب الدولة الليبية حكومة وجيشا وشرطة ومؤسسات.. فضلا عن هجرة الكثير من العناصر الجهادية التكفيرية من سوريا والعراق إلى ليبيا.

والآن ينبغى على الدولة المصرية أن تأخذ بعين الجد أن الحدود الليبية قد أصبحت مصدر تهديد أمنى ينبغى التحسب له خاصة أن هذه الحدود طويلة وممتدة ولا توجد دولة من الجانب الغربى يمكن أن تحاسبها مصر على شىء . ولذا يمكن استعارة بعض نظريات الإجهاض المتقدم لمثل هذه العمليات.. وهى فى طور التخطيط .

ثالثا: هناك قاعدة هامة أن المجموعات التكفيرية لا تحل فى مكان إلا حينما تغيب الدولة المركزية القوية عنها.. فحينما غابت عن أفغانستان وجدت القاعدة هناك.. وحينما غابت عن الصومال ظهرت القاعدة هناك.. وحينما غابت عن جنوب اليمن وكذلك حينما غابت عن سيناء بعد ثورة 25 يناير.. وحينما غابت عن ليبيا الآن.. هذه قاعدة مهمة يمكن للقارئ أن يختبرها بنفسه ويطبقها.

رابعاً: توقيت وزمان هذه العملية واختيار الموقع المفضل والإجهاز على الجنود المصابين هو تكرار تفصيلى لعملية رفح الأولى والتى قتل فيها الجنود المصريون وهم صائمون قبل المغرب بقليل وتم الإجهاز على الجرحى بلا قلب ودون مشاعر.. دون أن نستفيد كثيراً من تجاربنا السابقة.

ويجمع بين الحالتين عدم وجود حراسات متقدمة أو سبل إنذار متطورة أو سبل اتصال حديثة بالقيادة للدفع بقوات إبرار جوى تغيث مثل هذه الوحدات النائية مع إعطاء صلاحيات أوسع لقادة هذه الوحدات النائية فى طلب الهليكوبتر مباشرة كما يحدث فى الدول المتقدمة.. وتأمين حدود مثل هذه الوحدات بالألغام ورسائل الإنذار الحديثة.

خامساً: من شؤم التكفيريين وجهلهم بقواعد التاريخ والجغرافيا فضلاً عن الجهل بالدين أن يتركوا العدو الإسرائيلى يقصف غزة صباح مساء.. ويستبيح كل شىء فيها ويقتل النساء والأطفال والشيوخ ويدمر البيوت والمدارس والمساجد ليذهبوا للجنود المصريين المسلمين الصائمين الذاكرين العابدين ويستغلوا انشغالهم بالصيام وعدم توقعهم الغدر من بنى جلدتهم.
وقد يسأل البعض: لماذا هذا العمى الذى يصيب التكفيريين دائما ًفيجعلهم يتركون إسرائيل تعربد ويقتلون المسلمين.. لا تعجب إنها نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى تحدث عن إصابة عقولهم بخلل فى الفكر.. حيث قال صلى الله عليه وسلم واصفاً لهم وكأنه يقرأ الواقع «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان».

وإذا تأملت تطبيق هذا الحديث فإنك ترى الجماعات التكفيرية لم تقم بعملية عسكرية واحدة ضد إسرائيل فى الوقت الذى قاموا فيه بمئات التفجيرات فى بلاد المسلمين بدءا من تفجيرات الرياض وعمان وشرم الشيخ والدار البيضاء وعشرات التفجيرات فى العراق.. إنه التصديق العملى لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

سادساً: إن أزمة العقل التكفيرى ليس فى الإيمان بنصوص القرآن ولكن فى تأويله على نحو خاطئ وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك حينما تنبأ بقتال سيدنا على بن أبى طالب للخوارج حيث قال لأبى بكر وعمر «لقد قاتلنا على تنزيله وسوف يأتى قوم يقاتلون على تأويله».. فقال أبو بكر «أنا يا رسول الله».. قال: «لا».. فقال عمر: «أنا يا رسول الله» .. قال : «لا».. فقالا: من إذاً.. قال: صاحب النعل.. وكان قد أرسل على بن أبى طالب بنعله ليخيطه.

إن مشكلة التكفيرى تكمن فى طريقته فى تأويل النصوص وليس الإيمان بها.. فهو قد يكون أكثر صلاة وقياماً وذكراً من غيره ولكن آفته فى عقله ولهذا الأمر حديث آخر.

سابعاً: هناك حالة من توحد الجماعات التكفيرية إقليميا لم تحدث من قبل فى التاريخ المعاصر فداعش فى العراق مع جماعات مشابهة فى سوريا وليبيا أيضا وبيت المقدس وغيرها مثل أجناد الأرض فى مصر وأخرى فى اليمن وكلها تصر على تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع إسلامى إسلامى أو سنى شيعى.. أو تكفيرى حكومى.. أو جماعات إسلامية مع حكومات المنطقة.. إنها المأساة التى ستحول المنطقة كلها إلى جحيم لا يطاق.

ثامنا: على صانع القرار المصرى ألا يستبعد تكرار هذا الحادث فى المناطق النائية على حدود مطروح أو سيوة أو البحر الأحمر أو أسوان أو توشكى أو على حدود السودان.. أو على بعض الوحدات الملاصقة للمناطق السكنية التى تعود جنودها على الراحة والهدوء بين أبناء وطنهم.
تاسعا: رغم العلو الظاهر للفكر التكفيرى فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وبعض مناطق فى باكستان وأفغانستان فإن الفكر التكفيرى لا يستطيع إقامة أى دولة لأسباب كثيرة شرحتها من قبل وقد فشل رغم وفرة قواته وشجاعة رجاله وكثرة إمكانياته فى إقامة دولة فى أفغانستان أو الصومال أو اليمن أو ليبيا وذلك لأن الفيصل فى إقامة الدولة هى قبول الآخر والتعددية وفكر التكفير يرفضها ويأباها لأنه لا يقبل التعديدية داخل المسلمين أنفسهم.. مع أن السلف الصالح كانت فيهم عشر مذاهب فقهية على الأقل.

وللفهم السريع لذلك يمكنك أن تقارن بين رجل مثل عمر بن الخطاب مثلاً أو عمر بن عبد العزيز ورجل مثل أبو بكر البغدادى لتعرف الفرق الهائل بينهما.. بين رجل يستطيع أن يبنى دولة وبين آخر مهمته هدم الدول.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة