منذ عدة أيام كان موكب أحد المسئولين يمر من فوق كوبرى أكتوبر فى مشهد لا يمكن أن تراه إلا فى بلد من بلاد العالم الثالث، وأتحدى أى مسئول قد زار بلاد الفرنجة ووجد ما يحدث فى مصر المحروسة أو المتعوسة والموكوسة بمثل هذه التصرفات التى قامت من أجل محوها وإزالتها ثورتان.
المهم أن السيد المسئول كانت تسبق سيارته سيارة حراسة، وتتبعه سيارتان مليئتان بأفراد الأمن الأشاوس، ويمرقون بسرعة تتجاوز طبعا السرعة المقررة فى قانون المرور، ويتصرفون برعونة واستبداد مع المارة، وهو نفس السلوك الأرعن والمستفز الذى طالما شاهدناه وكتبنا عنه فى سنوات مبارك، وحدث معى شخصيا منذ عدة سنوات عندما فوجئت بأحد أفراد الحراسة يقترب منى ويطلب فى إشارة وقحة البعد عن الموكب جانبا، ولم أستجب فإذا به يصدم سيارتى كنوع من التأديب، وكتبت ما حدث ووقتها حدثنى أحد مسئولى الداخلية وقال لى "يا أستاذ أنت كنت معطل موكب رئيس الحكومة الدكتور نظيف".
لسذاجتى تصورت أن هذا المشهد الكئيب راح من حياتنا إلى غير رجعة حتى حدث ما هو أسوأ منه منذ أيام لأن الموكب هذه المرة تسبب فى وفاة مواطن، وللمصادفة كان يسير بجوار الموكب وزير سابق فى سيارته ومعه زوجته وشاهد ما حدث، واستاء وغضب وسارع بالاتصال برئيس الحكومة إبراهيم محلب، وطلب منه إمهاله دقائق ليستفسر، وعرف أن المسئول هو هشام رامز، رئيس البنك المركزى، واتصل بالوزير السابق، ووعده بعدم تكرار ما حدث.
والسؤال هنا هل المسئولية تقع على المسئول صاحب الموكب السلطانى الممجوج والمرفوض أم على الحراسة التابعة له، والمسئولة عنها وزارة الداخلية؟ الأمر برمته ندبة سوداء وعار فى جبين حكومه محلب، وهل لا يعلم رئيس الحكومة أن الأمر ذاته يتكرر مع سيادته؟!
أنا شخصيا شاهدت هذا بأم عينى حين كنت أعزى الأخوين أديب فى وفاة أمهما، الله يرحمها، وكان موجودا المهندس محلب، وتصادف خروجى أثناء خروج موكبه، وكان نفس المشهد بالمللى، وأثار خروج سيارات الدفع الرباعى على الطريقة الأمريكانى استفزاز الجميع، وحكى لى كثيرون أنهم يرون موكب محلب بسياراته الفضية العالية على المحور والحراسة تمارس نفس السلوك المستفز، والشاعر يقول "إذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت كلهم الرقص"، فكيف يطلب رئيس الحكومة من أتباعه الكف عن سلوك هو آتيه، ثم إن الحكومة قد صدعت رؤوسنا بالتقشف وتقليص النفقات، لماذا المواكب أصلا، وهل يحتاج رامز أو محلب لأربع أو خمس سيارات وضباط حراسة وبهرجة فارغة ونفقات من لحم الحى والخزانة الخاوية؟، ثم إننا بذلنا ونبذل جهدا خرافيا لتصدير وتسويق عقيدة الشرطة والتحامها مع المواطن، وهذا المشهد ينسف كل الجهود فى هذا الاتجاه وطبعا صفحات الجماعة الإرهابية تلقفت الحكاية وأكلت عليها وشربت، متجاهلين كالعادة أن المعزول مرسى كان يسير فى موكب تعداده ثلاثون سيارة وتفاصيل معيشته فى قصر الرئاسة ولا ألف ليلة وليلة.
ونحن بعد ثورتين نطالب كمواطنين لا رعايا ولا عبيد بإلغاء مواكب السادة الحاكمين والمسئولين عموما إلا إذا كان هؤلاء يعلمون أنهم مكروهون من أفراد الشعب ويتاجرون لحماية أنفسهم خلف هذه المواكب، وإذا كانت هذه عقيدتهم يبقى عليه العوض فيكى يا بلد، لقد شاهدت رئيس فرنسا يمشى على قدميه من قصر الإليزيه لسيارته الخاصة التى يستعملها بعد أوقات العمل الرسمية وعلى اليوتيوب تسجيلات لميركل وهى تركب المترو، وأيضا لكاميرون رئيس حكومة بريطانيا العظمى وهو يركب البسكلته، ووزيرة العدل الفرنسية كانت تذهب للوزارة بالعجلة، ونحن لا نطمح أن يقلد المسئولون فى بلادنا هؤلاء ربما لأسباب رياضية تتعلق بكروشهم وعظامهم المتكلسة، لكن على الأقل ارحمونا من هذه المواكب الممقوتة والمستفزة لجموع السائرين "ولا لرئيس الحكومة رأى آخر؟"، ياباشمهندس محلب كن قدوة وألغ موكبك يرحمك الله والشعب أيضا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة