نقاد الأدب التقليديون ينظرون إلى الدراما التليفزيونية باستعلاء غير مبرر، وربما كان الدكتور عبدالقادر القط، رحمة الله عليه، أول من انتبه إلى أهمية المسلسلات، ووضعها تحت مجهر النقد الجاد مطلع تسعينيات القرن الماضى، وظل النقد الصحفى الذى لا يصنع ذاكرة ولا يضىء عملًا هو المسيطر على المشهد، لأنه يوجد اعتقاد بأن الفرق بين كاتب المسلسلات والكاتب الفنان أن الأول يكتب من أجل المال، بينما يكتب الثانى من أجل المجد.. محترف الكتابة كما يقول «يوسا» هو شخص يستخدم اللغة فقط كأداة، أداة يوصل من خلالها رسالة، أى نوع من الرسائل التى يمكن نقلها، أما الكاتب فهو الشخص الذى يتعامل مع اللغة كغاية، كشىء له مبرر وجوده فى حد ذاته، هذا التفريق له ما يبرره، وهذا تمييز جيد بين الكاتب الحرفى «الآلة» والكاتب المبدع.
إذا وجدت فى الكتابة تعويضك ومكافأتك وإشباعك بغض النظر عن الناتج، فأنت إذن كاتب مبدع، لكن إذا كنت صاحب صنعة، وتستخدمها لإنتاج دعاية سياسية أو دينية، أو للترويج لمقولات تطرب المشاهد فأنت سيناريست، الصنعة عنده أهم من الإلهام، ونادرًا ما تجد من يشعرك بأنك أمام منتج يحمله الإلهام، لأن أثرى اللحظات فى الحضارة والتاريخ هى تلك التى تختفى فيها الحدود بين الأدب المبدع والأدب الجماهيرى، كما حدث مع ديكنز، وفيكتور هوجو، وألكسندر دوماس.. فى رمضان هذا العام نجح عبدالرحيم كمال، وناصر عبدالرحمن، ومريم نعوم فى خلق عوالم تتجاوز الحرفية، وتشير إلى مناطق شجية، وأحيانا مؤلمة لا يقدر عليها إلا الكتاب الفنانون.