مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الديار المصرية: عدم مراعاة المقاصد الشرعية هو أخطر الأضرار التى لحقت بقضية التجديد الدينى فى السنوات الأخيرة..خطاب الوسطية الإسلامية متحقق فى منهج الأزهر الشريف

الإثنين، 07 يوليو 2014 12:48 م
مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الديار المصرية: عدم مراعاة المقاصد الشرعية هو أخطر الأضرار التى لحقت بقضية التجديد الدينى فى السنوات الأخيرة..خطاب الوسطية الإسلامية متحقق فى منهج الأزهر الشريف  مجدى عاشور
حوارات : لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن تجديد الخطاب الدينى سمة ملازمة للإسلام، بل هو ضرورة لاستمراره دينًا عالميًّا صالحًا لكل زمان ومكان؛ بغية النهوض بواقع الأمة، وتطوير ذاتها نحو التقدم والرقى فى المعاش والارتياش، إعمالا لقول العزيز الحكيم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) «الرعد: 11». فالتغيير- ومنه التجديد- كما يكون فى النفس يكون فى الأدوات والوسائل من باب أوْلَى.

وهذا التجديد فيه انفكاك من القوالب والأطر الجامدة، وانفتاح على العصر ومعطياته المتجددة، مع المحافظة على ثوابت الدين وقطعـياته، التى تنسجم مع العقل السليم والفطرة القويمة، تصديقًا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين».

وهو ما يرتكز عليه «خطاب الوسطية الإسلامية»، المتحقق فى منهج الأزهر الشريف بمصر وفى غيره من المناهج المعتدلة، ذلك المنهج الذى يستلهم من تراث الأمة عبر القرون، دون تعصب لمذهب أو فرقة أو جماعة ما هو صالح للدعوة وتبليغ العلم وبيان الحكم الشرعى فى قضايا الناس والعصر.

ولقد امتلأ مجال الدعوة عبر الوسائل والأنماط المختلفة بأصوات كثيرة، انطلقت لتبليغ الإسلام وهداية الناس، غير أن جملة كبيرة منها لم تتوفر فيهم شروط خطاب الوسطية، بل لم تُلقِ لذلك بالًا من الأساس، ومن ثَمَّ قَلَّ ظهور أصحاب ميزان الوسطية العادل، فانتشر خطاب شابه شىءٌ من التفريط والإفراط على حدٍّ سواء، ونتج عنه اختلال فى الرؤية والعرْض والنتيجة.

ومن أبرز مظاهر هذا الاختلال: عدم مراعاة المقاصد الشرعية، حيث لحق مؤخرًا ببـعض أنواع الخطاب الدينى «الفتاوى والأحكام الشرعية»، من خلال سوء تقدير المصالح والمفاسد القائم على النظرة السطحية، وهو ما يصح أن يُطلق عليه «الفقه الأعور».

وعَوَاره آتٍ من كونه ينظر إلى النصوص بعين واحدة، فيدرك جزءا من النص، أو جزءا من الحكم ويترك جزءا آخر لا ينفصل بحال من الأحوال عن النص أو الحكم، وقد ينشأ العَوَر من النظر إلى كتاب الله المسطور دون كتابه المنظور، أو العكس، وهو ما نطلق عليه ضرورة التعامل مع النصوص الشرعية والعين على الواقع المعيش.

وينطلق هذا الفقه الأعور من عدة منطلقات، يتمثل بعضها فى التالى:
سوء الظن بالناس، والنظر إليهم من خلال منظار أسود، يخفى حسناتهم، وفى الوقت نفسه يُضَخِّم ويُهَوِّل من سيئاتهم. الغلظة فى التعامل والخشونة فى الأسلوب والفظاظة فى الدعوة، من خلال استخدام ألفاظ من شأنها التقليل من الآخر مثل: ظلامى، رجعى، متخلف، أو كافر، فاسق، مخالف لشرع الله، حاقد على الإسلام وأهله.

إنكار ضرورة الدين للبشر وحاجتهم إليه فى مختلف المجالات بما يشمله من مصلحة ونظام أخلاقى، فتراه يسعى جاهدا لعزل الدين عن المجالات المختلفة كالثقافة والاقتصاد. التوسع فى الأخذ بمبدأ سد الذرائع، دون الالتفات إلى مبدأ مقابل له، هو فتح الذرائع لعدم تعطيل مصالح الناس.

حصر تطبيق الإسلام فى مسائل العقوبات، خاصة الحدود منها، فى حين نرى طائفة أخرى ترى عدم ملاءمة الشرع الشريف لظروف العصر ومستجداته.

ولا ندرى كيف غفل هؤلاء وأولئك عن أن أهم مرتكزات خطاب الوسطية، الذى يفرضه الشرع الشريف، ويحتمه المنطق، وتقتضيه الحكمة، وتوجبه البداهة، هو ضرورة مراعاة المقاصد الشرعية؛ وذلك أن الله تعالى نص على علة غالب الأحكام، ومعرفة هذه العلل تدرك من خلاله مقاصد وحِكَم التشريع.

أما الاقتصار على حفظ ومعرفة الأحكام، دون الغوص فى مقاصدها والوقوف على مناهج السلف فى تناولها وفهمها، فهو مما يحجب الرؤية عن التجديد فى إعادة النظر للأمور القديمة لتكون أنسب لعصرنا، بل إنها من باب أولى تحجبه عن الاجتهاد والتجديد فيما هو مستحدث من المسائل.

ومما يؤيد ما ذكرناه أن حديث القرآن الكريم عن القضايا والأحكام جاء معَلَّلًا فى كثير من المواطن، لمعرفة المقصد منه فمن ذلك أن الصلاة (تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ)، وأن الزكاة (تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهُم بِهَا)، وأن الصيام مقصوده التقوى (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)، وأن الحج لذكر الله تعالى ولتحقيق منافع الناس: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ).

وكذلك يرشد النبى صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة إلى زوال القبول والثواب عن عبادات حين تغيب عنها مقاصدها، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه» واستناداً على ما سبق فقد قرر الفقهاء قاعدة تحقق هذا المبدأ، وهى: «كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل» أى: مردود على صاحبه ولا قيمة له.

ومن ثَمَّ فإنه يجب أن يستقى الخطاب الدينى المعاصر أطروحاته ومفاهيمه من خلال النظر بعينين؛ عين على النص ومدلولاته، وعين على الواقع ومعطياته، وربط ذلك بمقاصد الشريعة وغاياتها، حتى ترجع الأمة إلى دروب التنوير والحكمة، التى تحصنها من المزالق، التى يعود سببها الأصيل إلى الفقه الأعور.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة