أصبحت أردد هذه العبارة كثيرا، خاصة فى الآونة الأخيرة حتى أتجنب أن أقع فريسة لخطأ التعميم فى الحكم على الأشياء الذى أصبح ينتهجه الأغلبية مؤخرا.
فالتعميم يسهل على مستخدميه إلقاء الحكم من غير استثناء، فالنظرة العمومية للأشخاص والأشياء لا تدع مجالاً للاستثناء فتحرق الأخضر واليابس معا، فنجد أن فكرة التعميم تجد رواجًا عند فئة كبيرة فى المجتمع، خاصة فى الفترة الحالية، وذالك لأنها لا تجلب الجهد ولا العناء فى التفكير والبحث، فمن السهل الآن أن تقول مثلا: إن كل النخب السياسية تسعى إلى مصلحتها، وإذا وجدت موقفا لنخبوى عكس ذلك لا تذكره وتتجاهله فقط لأن التعميم أسهل والموقف الشخصى من النخبة يكون هو العامل المؤثر فى قرارك وحكمك، ونفس الشىء بالنسبة للنشطاء، فكلهم خونة وعملاء رغم أنه لم يصدر حكما قضائيا ضد واحد «واحد فقط» من النشطاء بتهمة الخيانة أو العمالة أو التجسس، ولكن فقط الاعتماد على تحليلات واستنتاجات شخص يدعى أنه إعلامى، ويستبدل ساحة المحكمة بصندوقه الأسود أو غرفه المغلقة، وعلى صعيد آخر الحكم بأن كل عهد مبارك فساد وكل من كانوا فى الحزب الوطنى فاسدون، رغم أنك تعلم أن هناك الكثيرين أجبروا لعمل عضوية الحزب الوطنى من أجل الحفاظ على وظيفة أو الحصول على مصلحة. وهناك أيضا من الوزراء القلائل فى حقبة مبارك لم يتهموا فى أى قضية فساد ولا حتى تحوم حولهم شائعات بالفساد أو سوء السمعة، ولكن لم يسلم القضاء من التعميم فتجده «شامخ» فى كل الأحوال، «شامخ» بمعناه اللغوى إذا كان الحكم على هواك ويتفق مع اتجاهك وتصنيفك، وتجده «شامخ» أيضا بالمعنى الساخر التهكمى، إذا كان لا يتفق مع اتجاهك وما تعتقده.
والتعميم أيضا فى أن الداخلية بلطجية، نعم، إن هناك انتهاكات وتجاوزات وجرائم عادت للظهور من تعذيب يؤدى إلى موت وتلفيق التهم واقتحام البيوت والقبض العشوائى، ولكن هناك أيضا من الضباط من يراعى ضمائرهم ويعملون لخدمة الوطن ويحترمون الشعب، ومنهم من استشهدوا وهم يؤدون واجبهم بأيدى إرهاب جبان لا دين له. وإذا كنا نريد أن نتحدث بموضوعية كاملة، فلابد أن نذكر الإخوان المسلمين، فوصف التنظيم الإخوانى بأنه تنظيم إرهابى، وهو كذلك بالفعل، لا يمنعنا من ذكر أننا على يقين بأن منهم من يتم استخدامه فقط ويستغل من قبل قيادات تتاجر بالدين أو يتم عمل غسيل مخ كامل لهم لضمان تبعيتهم وتنفيذ تعليمات المرشد دون أدنى استخدام للعقل والمنطق والفكر.
كل هذه العبارات السابقة هى عبارات مختصرة فى قوالب جاهزة لا تجلب العناء، ومع أنها عبارات قوية، إلا أننا نجد من يرددها ويقولها بكل سهولة، ومن دون أى تفكير فى مصداقيتها من عدمها ومن تأثيرها على الرأى العام من جهة وعلى من يطبق عليه التعميم وهو مستثنى من جهة أخرى، أما عن الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة التعتيم، فهى تتلخص فى سببين أساسيين وهما أولا: قلة العلم والخبرة، وثانيا: التعصب بكل أنواعه، وهناك أسباب أخرى ثانوية كالاستسهال وعدم الرغبة فى إجهاد العقل بالتفكير أو البحث.
الذى يفرض كلمة «الكل أو الجميع» بدل كلمة «البعض»، فهو يحكم بالظاهر فقط، والذى يسمعه بمفرده ويروج لهُ بكل طاقته، قبل أن يتأكد منهُ، فهم أشخاص تأخذ الأمور بظواهرها، وتصدر أحكامًا مُسبقة وهى لا تعلم مدى نسبة مصداقيتها، وإن كان الحكم الصادر فيها عادلاً أم جائراً وبعض الناس يستأنسون بهذا.
وهناك مقولة مشهورة لأحد المتخصصين: «إن التعميم المفرط من أكثر أخطاء التفكير شيوعًا، وذلك بسبب عجز معظم الناس عن إصدار أحكام مبنية على رؤية تفصيلية منصفة».
انظروا إلى تفاصيل وجوانب الموضوع، احكموا بموضوعية، ولا تضعوا البيض كله فى سلة واحدة فمنه الفاسد ومنه الصالح، لا تستسهلوا، تعمقوا، اقرأوا وابحثوا لا تكونوا كالقطيع وتسلموا آذانكم وعقولكم لشخص أو مجموعة مهما كانت ثقتكم فيها، نوعوا المصادر، ناقشوا المختلفين معكم، فكروا، حتى لا تعمموا الأشياء والأحكام حتى تنصفوا وتعدلوا حتى تتآلفوا وتعيشوا أصحاء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة