لدينا مجلس قومى لشؤون الإعاقة، والحمد لله لأن هذا يعنى اعترافا بأن لدينا معوقين فى مصر! والكل يعلم أن الإعاقة صارت ظاهرة كبيرة على عكس ما يرى المجلس القومى الذى لا يعترف كثير من المعاقين بالأرقام التى ينشرها، ناهيك عما يفعل من مجهودات. ومظاهر الإعاقة والمعوقين كثيرة، ابتداء من فقد أحد الأعضاء إلى العجز الكامل عن الحركة إلى غير الناضحين عقليا، إلى طبعا فقد البصر وهو الأكثر انتشارا. التسهيلات المقدمة لا تفى، ليس لأن يعيش المعاقون حياة كريمة، بل لا تكفى أن يساهموا فى الحياة، فالإعاقة فى مصر تعنى أن صاحبها غير قادر على المساهمة فى الحياة على الإجمال، وعليه أن يظل فى الهامش.
لقد حفزنى إلى الكتابة فى هذا الموضوع ما رأيته بعد ثورة يناير من حضور كبير لهم فى الميادين، وما حدث من إعاقات جديدة لعدد كبير جدا من الشباب من الجنسين أثناء وجودهم فى الميادين، طالبين العدل والحرية والكرامة، فكان نصيبهم الإعاقة بالاعتداءات القذرة والمكشوفة عليهم، كذلك حفزنى للحديث ما جرى من اهتمام كبير بهم، «المعاقين» فى اللجنتين اللتين قدمتا دستورين، الأول الذى تم فى عهد حكم الإخوان، والثانى بعد زوال حكم الإخوان، ومثل الأول لم يترجم الدستور الثانى إلى خطوات عملية فى شأن الإعاقة، رغم أن الوقت اختلف وليس هناك ما يمنع من ذلك، وإذا كان هناك من يقول: إن البلد غير مستقر، فالحقيقة أن الحكم مستقر ويفعل ما يشاء والناس راضية!
فى كل مرة كنا نسمع حديثا جميلا عن الاهتمام بهم، الذى هو فى الحقيقة اهتمام بالوطن نفسه لأنهم يستطيعون الإسهام بالكثير جدا فى الحياة، ويتفوقون أيضا على الأسوياء فى كثير من المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية.
كذلك جاء اهتمامى بهذا الموضوع اليوم من متابعتى لمدونة الكاتب محمد أبو طالب، أحد المكفوفين، الذى يعيش فى سوهاج ويعمل مدرب كمبيوتر بمركز نور البصيرة بجامعة سوهاج، وعلى مدونته التى عنوانها «المشاغب أبو طالب» الكثير مما يثير الحزن على ما وصل إليه حال المعوقين ويثير الضيق أيضا، مما يحدث لهم من إهمال، لقد كتب على مدونته بعد لقاء السيد الرئيس بالسيدة المسنة التى تبرعت بالحلق الذى تملكه لصندوق تحيا مصر رسالة طويلة أقتطع منها هذا الجزء الكاشف:
«سيادة الرئيس هل تعلم أن المكفوفين لهم حقوق فى الدولة وذوى الإعاقة عموما بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة المصدقة عليها بلدنا، والدولة لا تعطيها لنا وتنكر وجودنا سواء فى البنية التحتية، المرافق العامة أو النقل والمواصلات».
سيادة الرئيس هل تعلم أن أكثر من %80 من المكفوفين فى مصر أميون وأن أكثر من %10 من المكفوفين متعلمون تعليما أزهريا عبارة عن حفظ بدون قراءة أو كتابة بطريقة برايل أو حتى باستخدام التقنية والتكنولوجيا الحديثة.
سيادة الرئيس هل تعلم أن أكثر من%85 من المكفوفين فى مصر تحت خط الفقر، وأن الخدمات المقدمة فى الدولة للمواطنين لا تتناسب مع إعاقة كف البصر، من حيث سهولة الحصول عليها أو التعامل مع هذه الخدمات باستقلالية وبدون وصاية من أحد، وأننا نتعامل بقوانين ترانا أشخاصا فاقدى الأهلية فى أغلب تعاملاتنا اليومية مع الجهاز الإدارى أو الخدمى للدولة.
هل تعلم يا سيادة الرئيس أنه لا يوجد كشف مبكر عن أى إعاقة عموما، وعن إعاقة كف البصر خصوصا فى مصر، وأن التعليم المصرى ونحن فى القرن الـ21 ليس دامجا لنا فى مراحل التعليم المختلفة، وأن الدراسة تنحصر علينا فى مجالات محددة، وكأننا أشخاص غير قادرين على التعلم مثلنا مثل أقراننا من المبصرين، فلا يحق لنا دراسة الشعبة العلمية فى الثانوية العامة، ولا يحق لنا دخول العديد من الكليات بسبب إعاقة كف البصر، وهذا لا ينطبق علينا نحن فقط، بل ينطبق على جميع الإعاقات بسبب ما يسمى ببند سلامة الحواس فى لوائح المجلس الأعلى للجامعات.
«سيادة الرئيس هل تعلم أن عددا ضخما من المكفوفين لا يجدون عملا ولا إعانة بطالة ولا معاش تضامن اجتماعى، ولا يوجد تأهيل للمكفوفين لسوق العمل حتى نتواكب مع متطلبات سوق العمل المتاح، وأن من يجد عملا يتم إلحاقه بعمل إدارى أو عمل شرفى وكأن الدولة تعطينا منحة أو هبة».
أتوقف هنا فأظن هذا يكفى وزيادة، لأنه حقيقى أن تشعر بالغضب، فحقا ليس فى وسائل المواصلات، حتى الكبيرة منها مثل القطار والمترو مكان مخصص لذوى الإعاقة، ناهيك طبعا عن المواصلات العامة الأصغر مثل الأوتوبيسات والترام. أما الشوارع والمبانى الكبيرة والصغيرة فلا تجد إلا نادرا وعلى مسافات بعيدة جدا، مطالع خاصة للمعاقين عن الحركة المستخدمين للعربات الصغيرة. الأمر تقريبا فى كل الهيئات الحكومية والوزارات وما تحتها، أما ما تحدث فيه محمد أبوطالب بعد ذلك عن التعليم وشروطه التى تتعسف مع ذوى الإعاقة فهو لا يتعارض مع القرن الواحد والعشرين فقط، لكن مع تاريخ البشرية نفسه. فما أكثر المعاقين الذين ساهموا فى الاختراعات والأفكار فى كل الدنيا، الأمر نفسه كما يقول فى الأعمال التى غالبا إذا أسندت إليهم تكون أعمالا ثانوية لا معنى لها إلا حضورهم إشارة إلى التزام الدولة برعايتهم، بينما يمكن جدا أن يرعوا هم الدولة، فقدرتهم على استخدام العلوم والأجهزة العلمية لن تقل عن غيرهم. وأنا لا أريد أن أقف عند دور الدولة فقط، يمكن أن أعترف بأن الدولة لن تستطيع أن تفعل كل شىء رغم أنها تستطيع، إذا أرادت، لكن يجب على المشكلة أن تخرج من إطار الدولة وأصحابها إلى المجتمع المدنى، فالمجتمع المدنى هنا يستطيع أن يساهم فى هذا الدور بشكل كبير، وقديما قبل ثورة يوليو 1952 كان للمجتمع المدنى الدور الأكبر فى بناء المدارس والملاجئ التى تخرج فيها فنانون وموسيقيون كبار، هذا مجال واحد فقط. يستطيع المجتمع المدنى أن يساهم كثيرا فى تعليم ذوى الإعاقة العلوم العصرية إذا شجعته الدولة على ذلك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة