هنا على شواطئ مدن القناة قبل بنائها، وقف أجدادنا الذين تم استخدامهم في حفر قناة السويس، وكل فرد منهم حامل لغزه الخاص به، حينما جاء من القرية التى ولد فيها، سواء من الدلتا أو الصعيد، للمشاركة فى أعمال الحفر بفرمان من الخديو محمد سعيد باشا، حاكم مصر وقتها، بعدما تمكن مسيو ديليسبس -الذى كان مقربًا من سعيد باشا- من الحصول على عقد امتياز قناة السويس الأول، وكان مكونًا من 12 بندًا كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين، ومدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ فتح القناة التى بدأت أعمال الحفر بها فى 25 إبريل 1859، وهو اللغز الذى يعصى دائمًا على الحل، أو إزاحة ستار غموض ساحر ميزه عن جميع الإنجازات التى شهدتها مصر عبر كل عصورها منذ الفراعنة حتى وقتنا هذا.
فقد ساهم المصريون البسطاء حينذاك والغيم يتسع فى أعينهم، وكأنه خرج توًا من هذا البحر الملىء بالعجائب، أو كأنه صورة من قصيدة شجية صامتة، وبالتأكيد أن كل فرد كان بنظره إلى الجانب الآخر من الشاطئ حيث البلاد البعيدة التى تغرب فى موانيها تجرفه أمواج الحنين للعودة مرة أخرى إلى بلدته وأهله وسمائه الأولى التى لم يرض عنها بديلاً، لكنهم لا حول لهم ولا قوة، مجبرون على العمل بأجور قليلة بالسُخرة، وهو ما جعل التاريخ يقول إنهم بنوا قناة السويس بدمائهم.. فعلاً هم بنوها بالدماء التى نعتز بها جميعًا لتضحيتهم من أجل الوطن، فهم خلال تلك اللحظة ظهروا كأنهم يصغون إلى أصوات أبنائهم وأحفادهم ويرددون قائلين: «أكيد هييجى يوم ويبقى خير بلادنا لولادنا».
بورسعيد، السويس، الإسماعيلية.. تفاعلت مع الأحداث التاريخية والوطنية التى شهدتها مصر فى العصر الحديث بالمقاومة ضد الاحتلال البريطانى، بداية من دخوله مصر عام 1882، وكان الحدث الأبرز فى تاريخ مدن القناة عندما تمادى العشق فى مدن القناة تجاه الوطن خلال عام 1956 بصمودهم فى مواجهة العدوان الثلاثى الذى شنته دول بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، ردًا على تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس، وحصدت بورسعيد لقب المدينة الباسلة فى ظل صمودها حتى بعد العدوان الإسرائيلى على مصر فى حرب 1967 على حدود بورسعيد الشرقية بعد احتلال الشطر الآسيوى من مصر، ممثلاً فى كامل أرض سيناء باستثناء بور فؤاد التى عجز الجيش الإسرائيلى عن التوغل فيها. وبعد انتصارنا فى حرب أكتوبر عام 1973 بدأت الحياة تعود لبورسعيد وباقى مدن القناة عام 1975، وفى عام 1976 أصدر الرئيس محمد أنور السادات قرارًا بتحويل المدينة إلى منطقة حرة، وهو الأمر الذى جعل المدينة جاذبة للسكان من جميع أنحاء مصر.
اليوم.. مدن القناة تستعيد الذكريات بعد إعطاء الرئيس عبد الفتاح السيسى شارة البدء فى إنشاء قناة جديدة، ما يؤكد أن قناة السويس فى الماضى كانت كفيلة بنقل مصر من مصاف دول العالم الثالث إلى أكبر الدول فى المجال الاقتصادى والدخل السنوى من مشروع القناة، لكن الطامة الكبرى أن الاحتلال الإنجليزى والدول الغربية هى التى استفادت بالحصول عليها كحق انتفاع، وكانت الطفرة الوحيدة بعد التأميم فى عهد عبد الناصر، لكن على مدى 30 عامًا تحت حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك شهدت مصر سنوات عجافًا، ولم يعلم أحد أين ذهبت الأموال التى يدرها المشروع للبلاد.
مقصد الحديث اليوم عن قناة السويس ليس لرصد تاريخى عنها، لأننا إذا تحدثنا عنها نحتاج إلى مجلدات من الكتب، فالحديث هنا هدفه تسليط الضوء فقط على كيفية استغلال القناة القديمة والحديثة للنهوض بالاقتصاد المصرى كخطوة ناجحة تلبى احتياجات المواطنين، والقضاء على البطالة والفقر الذى طالما يواصل تهديده للبلاد، وهو ما نتمناه جميعًا أن يحدث خلال الفترة المقبلة مثلما وعد الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهذا حتى نشعر بأن دماء شهدائنا فى ثورة 25 يناير لم تذهب أدراج الرياح، وأن خروج الملايين فى ثورة 30 يونيو كان لها العامل الأكبر فى إعادة مصر إلى مسارها الصحيح.. ونحن منتظرون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة