أى شخص على الكوكب يقرأ أن سلطة ما قامت بحرق كتب، ستستدعى ذاكرته لا شك مشاهد القمع والمصادرة فى التاريخ، ولن يشغل نفسه بالبحث عن أسباب الحرق، حتى لو كانت الكتب تحرض على الكراهية وتساعد الإرهابيين على صناعة القنابل، وتقوم بتقديس النماذج المفزعة فى البشر، كان من السهل استبعاد الكتب الـ36 التى أحرقت فى الغردقة الأسبوع الماضى بطريقة أخرى غير التى حدثت، تشكيل لجنة من الشؤون القانونية والإدارية بمحافظة البحر الأحمر والذهاب إلى مدفن صحى ودفن كتب بعد حرقها بناء على تعليمات السيد اللواء المحافظ مشهد مقبض، حتى لو كانت الكتب مليئة بالمتفجرات، رمزية المشهد تستدعى لحظات حالكة فى التاريخ الإنسانى وتجعل المتربصين بك يزايدون عليك فى الجزيرة أو فى صحف الغرب.
كلنا يعرف أن الكتب وضعت فى عهد الإخوان، وتعلى من شأن رموزهم وأنصارهم وأفكارهم، وكان يكفى التخلص من هذه الكتب بدون ضجيج، مسؤولية اختيارها أو استبعادها لا ينبغى أن تكون من اختصاصات المحافظ، توجد وزارة للثقافة مسؤولة عن توفير الخدمة الثقافية المدعومة للمواطنين، ولكن ليس من وظائفها الترويج لأية أفكار، الكتب التى تثير الجدل أهلا بها إذا كان أصحابها لا يكفرون الناس ومستعدون للنقاش، الإخوان حاولوا تحويل قصور الثقافة إلى فروع لمكتب الإرشاد، قبلهم حاول جمال مبارك تحويلها إلى فروع للحزب الوطنى، فقاطع الشباب الباحث عن المعرفة مكتبات وزارة الثقافة، واسترداد هؤلاء مسؤولية الدولة لا النظام، كن صادقا وأنت تمد يدك لهم، واجعلهم يشعرون بحاجتك إليهم فى المستقبل، لأننا سنعتمد عليهم فى معركتنا الطويلة ضد الجهل.