لو كنت مكان رئيس الوزراء إبراهيم محلب، لذهبت صباح الخميس، غدًا، إلى ميدان رابعة العدوية تحت شعار «مصر لا تخاف» مع كوكبة من نجوم المجتمع، لوضع إكليل من الزهور على نصب تذكارى لشهداء الجيش والشرطة، وأن يعلن 14 أغسطس يوم الشهيد.. يحتفل فيه مع أسر الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فى سبيل الوطن، بأعمالهم البطولية وسيرتهم العطرة، ويمنح أسرهم أوسمة ونياشين
ويستمع لمطالبهم ويحتضن شكواهم، فواجب الدولة أن تضعهم فى قلبها وعيونها، ولا تنساهم وتهمل أسرهم، فمهما قدمت لهم فلن تعوضهم قطرة دماء واحدة، ولن تكفف دموعهم، وعليهم أن يشعروا بأن الوطن الذى وهبوه أعز ما يملكون ليس جاحدًا ولا متجاهلًا لهم. وإذا كانت الجماعة الإرهابية تريد هذا اليوم ساحة للتخريب والحرق والقتل، وتحشد عناصرها للقيام بأعمال إرهابية فى محطات المترو والقطارات وأقسام الشرطة وأبراج الكهرباء، وغيرها من المرافق الحيوية التى تتصل بحياة الناس، فعلى الحكومة أن تكون موجودة بشدة فى هذا اليوم، ليس فقط على صعيد تكثيف الوجود الأمنى
وتأمين المرافق الحيوية، ولكن برفع درجة التأهب القصوى لمواجهة الأحداث أولًا بأول، فلا تسمح بمسيرات أو تظاهرات أو تجمعات تهدد أمن وسلامة المواطنين، وأن تتذرع بالحسم والقوة فى تطبيق القانون، فالإخوان يعتبرونه يوم الثأر والانتقام، وبعضهم تراوده هلاوس عقلية بأنهم عائدون لحكم مصر، أو أن ثورتهم سوف تزلزل البلاد.
الإخوان على حافة اليأس، ولا يستبعد أن يرتكبوا أعمالًا جنونية طائشة، مثل الدعوة التى أطلقوها لعناصرهم بتفجير أبراج الكهرباء، وحرق الأكشاك لبدء «ثورة الظلام»، فيخرج الناس إلى الشوارع للقيام بالثورة الثالثة، وإعادة المعزول إلى القصر، ومثل هذا التفكير يؤكد أنه لا أمل ولا رجاء فى هذه الجماعة التى اعتادت طوال تاريخها أن تتصيد المشاكل والأزمات
وتزايد عليها حتى اكتشف الناس بأنفسهم أنهم أكذوبة كبرى، وليسوا «بتوع ربنا» ولا «ناس طيبين» و«خلينا نجربهم»، وغير ذلك من الخدع والأكاذيب التى صعدت بهم إلى السلطة. والآن سقطت الدعاية الإخوانية الكاذبة، وأصبح لدى أهل مصر الطيبين حصانة تحميهم من وباء الغش والخداع. لم يستوعب الإخوان الدرس، وهو أنهم يزرعون الكراهية بأعمالهم الإرهابية والإجرامية، وكلما ازداد عنفهم ازدادت كراهية الناس لهم، وأن السبيل الوحيد للعودة إلى المسرح السياسى هو وقف العنف، والتوقف عن المتاجرة بالدين وخداع الناس بما ليس فيهم، فهم ليسوا طيبين ولا «بتوع ربنا» ولا «خلينا نجربهم»،
إنما جماعة شريرة لا يهمها إلا السلطة والحكم، ولو كان ذلك فوق الجثث والدماء، وعلى حساب أرض الوطن وحريته واستقلاله.. جماعة تبيح القتل وتزعم أنها تملك مفاتيح الجنة والنار، وأتباعها المختطفون يصدقون أن جبريل كان يصلى معهم الفجر فى رابعة فى مثل هذه الأيام، وأن معزولهم الأحمق كان يؤم رسولنا الكريم فى الصلاة، وأن صورة مرسى إذا وُضعت فى الأكفان تخفف عذاب القبر.. وتكبييير. بالفعل عشنا أيامًا سوداء
وشتان بين حالة مصر قبل عام والآن، وبين المسيرات التى كانت تجوب الشوارع بالآلى والمولوتوف والسنج والسيوف، والهدوء الذى بدأ يعود تدريجيًا للبلاد.. بين حالة اليأس والاكتئاب التى خيمت على المجتمع، وتفاؤل حذر يتسلل للنفوس والقلوب.. بين مصر التى كادت أن تضيع، واتشحت بالسواد، ومصر التى تبتسم للحياة.