أولاً:- حل حزب الحرية والعدالة هو نوع من الإقصاء التام من العمل السياسى وهو أيضاً يفتقر إلى الحس السياسى والمواءمة السياسية فى هذا الظرف الصعب والعصيب الذى تمر به مصر.. ناهيك عن مجافاته لقواعد العدل والإنصاف فالوطن لا يمكن أن يسير بجناح واحد، والإسلاميون ومنهم الساسة الإخوان الذين لم يثبت عليهم ممارسة أو تشجيع العنف فصيل كبير لابد أن يكون له تمثيل سياسى فى الحياة السياسية المصرية ولا ينبغى أن يقصى هكذا بمنتهى البساطة.. ولقد اعترضنا من قبل على إقصاء الحزب الوطنى كله ووصمه كله بالفساد والرشوة والمحسوبية.
واليوم لا يمكن أن نصف فصيلا أو حزباً كاملاً مثل الحرية والعدالة بالإرهاب أو التطرف أو الخروج عن القانون.. هذا قد ينطبق على فرد أو أفراد قلائل ولكن من الظلم تعميمه.. وهذا القرآن العظيم يتحدث عن خصومه بقوله «ليسوا سواء» فلا يعمم الحكم عليهم ولا يضعهم جميعاً فى سلة واحدة.
وهذا الحل لحزب الحرية والعدالة الذى قد يتبعه حل لأحزاب أخرى ذات مرجعية إسلامية سيصب فى مصلحة التطرف والتكفير والتفجير.. وسيصب أيضاً فى مصلحة القوى السياسية المدنية التى تحب ألا تخوض معارك انتخابية حقيقية وترغب دوماً أن تدخل المعارك السياسية والانتخابية دون منافس حقيقى وهذا سيعودها على عدم التجديد والإبداع والتطوير وسيعيد الوطن إلى ما قبل 30 عاما حيث لا منافسة حقيقية فى الانتخابات مما يفقدها معناها الحقيقى، بل يفقد الحياة السياسية معناها التنافسى الحقيقى الذى يدعو إلى التجديد والتطوير والتحسين وإبراز الأفضل دائما وتقديمه ونفى العناصر الرديئة والمنافقة والمتسلقة والتى تريد تصدر المشهد باستمرار ودون عطاء حقيقى.
ويا أحبتى الكرام تذكروا أن كل حزب أو جماعة أو فئة فيها الخير والشر والصلاح والفساد والطاعة والمعصية وحل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية هو دعوة مستترة لأهل الوسطية والاعتدال لليأس والعزلة والانزواء وترك الساحة المصرية برمتها للغلاة والتكفيريين لكى يسرحوا فيها ويمرحوا كما يشاءون بل يتبوأوا القيادة والريادة.
وحل هذه الأحزاب يعد أيضاً دعوة مستترة لكل هذه الجماعات للعودة للسرية والعمل تحت الأرض وما يتبع ذلك من مفاسد لا حصر لها، كما أن حل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية سيجعل الإسلاميين يدورون دائما رغم عنهم فى فلك التنظيمات السرية ودورة العداء المستمر مع الدولة وسيجبر الأجيال القادمة إجبارا على استمرار الخصومة التاريخية مع الدولة وستحول دون دمج الإسلاميين فى كيان الدولة وتدريب كوادر الإسلاميين على أن يكون جزءا مصلحا للدولة وصالحاً فيها وليس خصما لها أو راغبا فى هدمها أو سعيداً بتأخرها.
ثانياً:- أغرب تعليق على فوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا هو تعليق زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادى الذى يلقب نفسه زورا وبهتاناً بخليفة المسلمين فى تغريدة له على تويتر يقول فيها: «أردوغان علمانى لا يحكم بشريعتنا ويجب علينا محاربته».
ولا أدرى أين المسلم أو المتدين فى عرف داعش والبغدادى؟.. فكل المسلمين لديه علمانيون كفرة ولا أدرى من أين جاء بهذا الغرور والشعور بالقوة حتى يريد أن يحارب الدنيا كلها.. أى خليفة هذا الذى يريد أن يحارب الكون كله ولا يعجبه أحدا.. ولا يرضى عن أحد.. ويكفر الجميع.. حكاماً وجيوشاً ومؤسسات وأحزابا فى بلاد المسلمين؟!!.
إنه وداعش لا يعرفون شيئا عن هدى النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فى هديه الرائع «من قال هلك الناس فهو أهلكهم».
هؤلاء لم يقرأوا سيرته صلى الله عليه وسلم حيث لم يحارب طوال حياته على جبهتين قط فحينما أراد أن يحارب خيبر تصالح مع قريش فى الحديبية قبلها.. إنها العبقرية العسكرية والسياسية للرسول صلى الله عليه وسلم.. هؤلاء لا يعرفون أن الرسول عليه الصلاة والسلام حارب وسالم وتصالح بل وتحالف مع غير المسلمين.
هؤلاء لا يعرفون شيئاً فى الحياة سوى الحرب والمشكلة أنهم غير مؤهلين لها ولا مستعدين لها ولا يستطيعون محاربة كل هؤلاء الخصوم.. فقد أحصيت لداعش وحدها 17 عدوا قويا يحاربها وتحاربه الآن.
يا عم أبوبكر البغدادى تعلم من صدام حسين شيئا.. يا عم أبوبكر تعلم من القاعدة التى دمرت تدميرا نتيجة كثرة خصومها وأعدائها.. فقد حاربت أمريكا فى 11 سبتمبر وروسيا فى الشيشان وداغستان ومصر فى تفجير السفارة المصرية فى باكستان والسعودية فى تفجيرات الرياض وغيرها والأردن فى تفجيرات عمان.. والمغرب فى تفجيرات الدار البيضاء.. وبريطانيا فى تفجيرات لندن.. وإسبانيا فى تفجيرات مدريد.. وأستراليا وإندونيسيا فى تفجيرات بالى.. أى أنها عادت العالم كله.. فطوردت وطردت وحوصرت من العالم كله.
يا عم أبوبكر لا داعى أن تصف من هم أفضل منك فقهاً وفهماً مثل أردوغان بهذه الأوصاف الشنيعة فعلى الأقل هو رجل دولة ناجح حقق إنجازات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة فى دولته.. أما أنت فلم تصدر للعالم سوى التكفير والقتل وتهجير شعبك والتفتيش على ختان النساء وتفجير أضرحة الصحابة والتابعين والعلماء.
ثالثاً:- الظلام يضرب مصر كلها من الإسكندرية إلى أسوان.. ازداد وقت الإظلام ومعدل تكراره فى اليوم حتى وصل إلى ثلاث مرات فى بعض المناطق الشعبية.. أما الصعيد فهو يعيش مأساة مضاعفة مع القيظ الشديد والكهرباء المقطوعة التى تزيده قيظا وتعطل كل أسباب الحياة.. فقاعات الأفراح تحولت أفراحها إلى أحزان مع حلول الظلام.. ومزارع الدواجن خسرت من كثرة نفوق الكتاكيت.. والمصانع سرحت العمالة نتيجة خسائرها من انقطاع الكهرباء.
هل يعقل أن الأقصر وأسوان التى بلغت درجة الحرارة فيها أكثر من 45 درجة تنقطع فيها الكهرباء أكثر من 8 ساعات ليهرب السياح ويئن السكان وتموت الحياة الاقتصادية.. أما صناعة الأثاث فى دمياط فهى فى انهيار متزايد لنفس السبب.. كل ذلك والدولة المصرية والحكومة ووزارة الكهرباء لا حس ولا خبر.. ولا حركة.. لا جديد.. لا تجديد.. لا إبداع أو سرعة فى الحلول.
رابعاً:- «انتحر الممثل الكوميدى الأمريكى روبن ويليامز الذى أضحك ملايين الأطفال بأفلامه».. هكذا جاء الخبر فى كل المواقع الإخبارية وقد يستغرب البعض لانتحار هذا الممثل الذى يضحك الآخرين ويسعدهم.. وقد كنت معنياً طوال حياتى بمتابعة مذكرات وحياة كل الممثلين الكوميديين الذين يضحكون الناس وقد وجدت أن حياتهم الخاصة مملوءة بالبؤس والكدر والهم والحزن.. فإسماعيل يس الذى أضحك الملايين على المسرح والسينما كان يظل يبكى قرابة ثلاث ساعات قبل «فتح الستارة على المسرح».. ويظل مرافقوه وأصدقاؤه يسكنونه ويمازحونه حتى يهدأ ويتوقف عن البكاء ويمسح دموعه ويخرج لأداء دوره المسرحى فيجعل القاعة تضج ساعات طويلة من الضحك.. وغيره.. وغيره.
واعتقد أنه لولا الإسلام وحرمة الانتحار فيه لتكرر نموذج روبن ويليامز كثيراً مع الممثلين الكوميديين فى بلادنا.
ولكن لماذا كان يبكى أمثال إسماعيل يس وغيره فى الأربعينيات والخمسينيات بهذه الطريقة ولا يحدث ذلك مع ممثلى الكوميديا الآن.
أحسب أن تطور الأدوية المضادة للاكتئاب فى الـ50 سنة الماضية كان له أثر كبير فى تقليل نوبات الاكتئاب لدى جميع الذين يضحكون الناس وغيرهم من المصابين بالاكتئاب.
وقد تأملت هذه الظاهرة فى المعتقل فوجدت معظم الإخوة الذين يضحكون الآخرين أو يقلدونهم لديهم درجة أو أخرى من الحزن والاكتئاب.. وقلت لنفسى: هل يصدق فى هؤلاء جميعاً قول النبى صلى الله عليه وسلم «إن كثرة الضحك تميت القلب».. وهل هذا الضحك الكثير يخفى الحزن العميق والألم الكبير.. أم ماذا؟.. أترك الإجابة لكل من لديه علم فى هذا الأمر.. والله أعلم.
خامساً: خطاب رابعة على منصتها كان سلبيا وضارا بالحركة الإسلامية كلها.. وكان بعضه خطاباً تكفيريا حربيا استعلائيا.. أما فض رابعة فلم يكن رحيماً أو حكيماً أو منضبطاً لقواعد القانون أو الشريعة.. وكان قاسياً.. والخطاب والفض يعدان سببا من أسباب معظم المآسى والكراهية والاستقطاب الحاد والتكفير والتفجير الذى نعيش فيه حتى اليوم.. ولو أن خطاب رابعة كان أفضل من ذلك.. وفض رابعة كان أرحم وأحكم من ذلك.. لكنا الآن أحسن مما نحن فيه.. وربنا يرحمنا جميعاً.. ونستفيد من دروس رابعة وغير رابعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة