د. محمد على يوسف

عن حَوَل العقول أتحدث

الخميس، 14 أغسطس 2014 07:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أعجب الأنماط البشرية التى يمكن أن يلاقيها الإنسان فى حياته نمط أصحاب الحول الفكرى، طبعا لست أعنى بالحول تلك الحالة التى تصيب حدقة العين بشكل وراثى أو كسبى فتجعله ينظر أو يبدو كأنه ينظر لنقطة أخرى بخلاف ما ينبغى أن ينظر إليه فذلك لا يعيب شخص المرء أو ينقصه ولكن عن الحول فى الفهم والاستيعاب أتحدث.. إنه نوع من الحول يجعل الشخص ينحرف بفهمه لمعانى الكلام ومناطاته ومآلاته إلى جهات أخرى بعيدة ومختلفة تماما عن المراد الأصلى منه وبالتالى يُقَوِّلُك ما لم تقله ويلزمك بما ليس بلازم ويفترض افتراضات وهمية وبعيدة كل البعد عن حقيقة الكلام. هذا النمط إذا وعظته أو ذكّرته بالله وعبادته وتقواه تجده يسارع فورا إلى اتهامك بالدروشة ورميك بالرغبة فى الهروب من أمور الواقع المضطربة والمتقلبة وكأنك بتذكيرك هذا تريد أن تترك الدنيا «تضرب تقلب» دون اعتناء ولا اهتمام ومن لم يعن بأمر المسلمين فليس منهم. وإذا فعلت العكس فتكلمت عن هموم الأمة وضرورة الصدع بكلمة الحق أو علقت على خلل ملاحظ أو رفضت خطأ حادثا تجد نظيره الأحول الآخر يقول لك بورع وخشوع: يا أخى لقد قسيّتم قلوبنا بالحديث عن الواقع وهمومه والأحداث وتسارعها أين أنتم من الدعوة والوعظ والتغيير الذى يبدأ من النفس؟! وهكذا دواليك.

كلِّمه عن العلم وفضله وستجده يرد: وأين العمل يا أخى.. علم بلا عمل كشجر بلا ثمر... فلتكلمه إذا عن العمل والبذل والإيجابية والتغيير والنجاح ثم استعد لرد فعل نظيره الأحول حين يفهم الكلام على أنه احتقار للعلم وأهله والعبادة والعُبَّاد، وكذلك دوما صاحب الحول الفكرى لا ينفك عن النظر إلى معانٍ أخرى غير التى تشير إليها والتعلق بإلزامات لا يشترط وجودها وارتباطات غير موجودة إلا فى خياله. إذا حدثته عن لقمة العيش والغلاء والأزمات الاقتصادية ستجد وجها مكفهرا يظن صاحبه أنك تقول ذلك لتبرر قمعا أو تدافع عن ظلم وكبت للحريات فإذا تكلمت عن الحقوق والحريات وطالبت بالعدل والإنصاف برزت فزاعات المشكلات الاقتصادية والأزمات الأمنية وكأن هناك تعارضا دائما بين الأمن والغذاء أو بين الحرية والشبع وعلى المواطن دائما أن يختار شيئا واحدا فقط وليس من حقه أبدا أن يطمع فى اجتماع خيرين أو التقاء فضلين بل حقين!

إن الإصرار على فرضيات وهمية بتعارض أشياء أو استحالة الجمع بين أشياء أو تخيل إلزامات وارتباطات وتلميحات ومآلات للكلام كثيرا ما يكون بسبب ذلك الحول وتلك الشخصية الحولاء التى لا تتكلف ذلك الوهم والتخيل، لكنها أحيانا لا تخلو من تكلف وافتعال مقصود لأغراض فى نفس أصحابه، وسواء كان الأمر مفتعلا أو نابعا عن سوء فهم فالتعامل مع هذا النمط يحتاج إلى بعض التنزل ومحاولة الأخذ بناظريه بهدوء ولفت انتباهه إلى تلك النقطة التى تشير إليها بسبابتك قائلا بتبسط: بص.. أيوه فى هذا الاتجاه.. ها هى النقطة التى عنها نتحدث.. ها هى هناك واضحة وفى النهاية هى مجرد نقطة.. نقطة واحدة وحسب.. نقطة من ضمن نقاط أخرى كثيرة ليس معنى أنها مهمة أن النقاط الأخرى ليست كذلك أو أن هناك ضرورة تلازم أو حتى تعارض، ها هى هناك وليس حيث تنظر.. فإما أن يستقيم البصر ويدرك المراد والمقصد وإما أن يظل الحول وانحراف النظر كما هو وفى تلك الحالة فعليه أن يبحث عن علاج.. علاج لحول العقول.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة