إذا كانت مصر قد نعمت بحكماء أفذاذ فى القرن العشرين أمثال شوقى وطه حسين ونجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل، فإن كتب التاريخ تكشف لنا أن مصر ولادة للحكمة منذ آلاف السنين، وأن حظها من الحكماء وفير وغزير، وأمس ذكرت لك بعض نصائح الوزير الأول «بتاح حتب» لابنه، واليوم أكمل لك أبرز حِكَم هذا الوزير المدهش الذى عاش قبل 4700 عام.
يقول الحكيم القديم لولده: «لا تعيدن قط كلمات حمقاء وخرجت من غيرك فى ساعة غضب.. والزم الصمت.. وتكلم فقط إذا كنت ستحل المعضلات، وإن الذى يتكلم فى المجالس لفنان - أى فى فنون الكلام - وصناعة الكلام أصعب من أية مهنة أخرى».
أرأيت عمق الحكمة التى ينطق بها هذا الحكيم المصرى القديم؟
المثير أن الحكيم المصرى لم يقف عند حد توجيه النصائح التى تجعل الإنسان خلوقا طيبًا يدرك القيم الفضلى فى الحياة ويعمل من أجل شيوعها فى المجتمع، بل إنه اكتشف أن هذه النصائح قد لا تجدى لأن الشر فى المجتمع انتشر والظلم استقر، والفساد بات لغة العصر، وأظنك تتفق معى أن توصل الإنسان المصرى القديم إلى هذه الدرجة من التأمل والتفكير تؤكد أنه بذل جهدًا عقليًا جبارًا حتى يستنبط هذه النتائج المتشائمة فى رؤيته للمجتمع والكون، ولعل ما كتبه الكاهن «خع خبر رع سنب» - وهو أحد كهنة عين شمس منذ 4000 عام - يثبت صحة ما ذهبنا إليه. يقول الكاهن المحبط: «إن العدالة قد نبذت وأخذ الظلم مكانه فى وسط قاعة المجلس، وخطط الآلهة قد انتهكت حريتها وأهملت نظمها، والبلاد صارت فى هم، والحزن عم كل مكان، وصارت المدن والأقاليم فى عويل، وكل الناس صاروا على السواء يرزحون تحت عبء الظلم»، كما جاء فى كتاب «فجر الضمير» لهنرى بريستد.
لا أدرى لماذا تذكرت هذا الحكيم الحزين وآراءه المتشائمة فى ذكرى فض بؤرة رابعة العدوية وجرائم الإخوان بعدها، إذ كل الأدلة تثبت أنهم لم يعرفوا شيئا عن المصريين وتاريخهم مع الغدر والحزن والظلم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة