قال أحد الحكماء: "تذكر دائمًا أنك لستَ الحزين الوحيد فى هذا العالم، وليس كل الناس سعداء كما تظن". فى طريق الحياة، لا تحاول الحكم على الأمور من مظهرها فقط ، إنما تعلم أن تُنصت جيدًا، وتفهَّم ما يقوله الآخرون وبالأحرى ما لا يستطيعون قوله. فمن نلاقيه فى الطريق يحمل من الخبرات والآلام والأفراح، زادت أو قلت عما لديك، ومن المؤكد أنك لا تدرك جميع الأمور عنه؛ لذا سِرْ فى الحياة وأنت صديق تساعد من تلاقيه لا قاضٍ يحكم عليه.
كذٰلك لا تحكم على أحد من موقف لا تدرى عمقه كاملا. تأثرتُ كثيرًا لقصة عن أحد الأطباء المتخصصين، الذى قامت إدارة المستشفى باستدعائه لإجراء جراحة فورية لأحد المرضى. وقبل إجراء الجراحة، التقاه والد المريض صارخًا: لِمَ التأخر؟! إننا ننتظر وصولك والزمن يمر بنا كالدهر، وحياة ابنى الوحيد فى خطر داهم، وهو معرض للموت فى أيَّة لحظة! ألا لديك أىّ مشاعر أبوة؟ نظر الطبيب إلى الأب، وحاول تهدئته قائلا: أرجوك أن تهدأ، وسأقوم بعملى، وثِق بالله الذى يرعانا جميعًا. إلا أن الأب استشاط غضبًا من هدوء الطبيب، وقال: أرى أنك لا تدرك مشاعر الأب!! أتُراك كنتَ تشعر بمثل هٰذا الهدوء الذى يصل إلى حد البرود، لو كانت حياة ابنك هى التى فى خطر؟! نظر إليه الطبيب نظرة خاطفة، وأسرع نحو غرفة العمليات. مر الزمن بطيئًا حتى خرج الطبيب بعد ساعتين، وقال لوالد المريض وهو على عجل: أشكر الله لقد نجحت العملية، وابنك بخير.
أسرع الطبيب بالمغادرة دون أن يُعطى والد المريض الفرصة فى إلقاء أىّ سؤال عن صحة ابنه. شعُر الأب بغضب شديد، وتوجه إلى الممرضة قائلًا: إن هٰذا الطبيب شديد الغرور. أجابت الممرضة: قد تُوفى ولده فى حادث سيارة، ومع هٰذا فقد حضر عندما علِم بالحالة الحرجة لولدك! وبعد أن أنقذ حياة ولدك، كان عليه أن يُسرع ليحضر دفن ولده! صمت الرجل.
عزيزى، تذكر أن الحكم على الأمور، أو الأشخاص، أو المواقف، هو من أصعب الأمور؛ فكُن إنسانًا فى الحياة؛ لأن الآخرين يحتاجون إلى أن تشعر بهم، وتدرك أن لديهم آلامهم التى قد لا يستطيعون التعبير عنها.
وفى طريق الحياة، نلتقى من يقدم إلينا النصح والإرشاد؛ فاهتم، وفكِّر، وادرُس ما يقوله دون أن تهتز من أسلوب تعبيره؛ فقد قيل: "إذا نصحك شخص بقسوة، لا تقاطعه، بل انتفع بملاحظته؛ فوراء قسوته حب عظيم، ولا تكُن كالذى كسر المُنبِّه لأنه أيقظه!". حاول أن تدرك قيمة كل ما يمر بك فى رحلة حياتك من أحداث وكلمات دون أن تنزعج منها؛ فالحياة رحلة، إن صعُبت فى بعض طرقها، لا تتوقف، بل اتجه نحو الأمام دائمًا.
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأُرثوذكسىّ.