ضمن الاتهامات التى كنا نذكرها ضد مبارك ونظامه أثناء حكمه، أن استبداده جعل مصر محشورة بين ثنائية «الحزب الوطنى» و«جماعة الإخوان»، وأن غالبية المصريين كانوا يجدون أنفسهم مضطرون للتصويت لمرشحى الإخوان فى أى انتخابات كرها فى نظام مبارك، ممثلا فى الحزب الوطنى بقيادته من القمة إلى القاعدة.
بالطبع كانت الانتخابات تتم وفقا لاتفاقات سرية بين قيادات «الوطنى» وقيادات أحزاب المعارضة، وجماعة الإخوان التى عقدت اتفاقا مع نظام مبارك قبل انتخابات 2005 على نسبة تحصل عليها، ولما طمعت الجماعة فى المزيد، استخدم «الأمن» ألاعيبه فى المرحلة الثالثة ليقف بها عن السقف الذى يريده.
كانت الاتفاقات السرية تشمل تحديد نسب النجاح للجميع، وكان رجال مثل كمال الشاذلى وصفوت الشريف ومن قبلهم يوسف والى يفعلون ذلك على سبيل أنها عطايا وهبات منهم للمعارضة بما فيها جماعة الإخوان، على أن يكون الحاصل فى النهاية شكلا للديمقراطية يتاجر النظام به فى الداخل والخارج، وهكذا كان يتباهى «الشاذلى» و«والى» و«الشريف» ثم «أحمد عز» بأن «مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية، فمجلس الشعب فيه نواب معارضة، والمفارقة أنهم كانوا يتحدثون عن ذلك بينما يبلغ عدد نواب المعارضة، خمسة أو ستة أو عشرة على أحسن تقدير كما كان فى دورتى مجلس الشعب 1990 و1995».
فى وصلة دفاع مبارك عن نفسه أمام محكمة الجنايات وكذلك وزير داخليته «حبيب العادلى» فى قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، حمل «العادلى» جماعة الإخوان كل أسباب البلاء التى عاشتها مصر، وكذلك قال «مبارك»، غير أنهما من واقع دفاعهما يقدمان أدلة الإدانة لهما فى ذلك بوضوح كامل.
فإذا كان نظام مبارك قد حارب جماعة الإخوان بلا هوادة، فلماذا كان يعقد معها الاتفاقات السرية أثناء الانتخابات كما حدث فى 2005 ؟، ألم يكن ذلك بطريقة وبأخرى اعترافا بشرعيتها؟، ألم يكن يتم ذلك فى سكة تهيئة المسرح لتوريث جمال مبارك، بمعنى مقايضة بين الاثنين تقوم على تفويت «الجماعة» لمسألة ترشيح «جمال» فى مقابل تركها تمارس العمل السياسى حتى لو تحت قيود معينة.
لماذا ترك نظام مبارك «النقابات المهنية» مسرحا تلعب عليه «الجماعة» أدوراها بكل راحة، فاحتكرت نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة والبيطريين والمحامين وغيرها؟، لماذا ترك مؤسساتهم السرية والعلنية تمارس نشاطها بكل حرية؟، لماذا ترك القرى والنجوع فى بحيرة الفقر، فكانت الفرصة للجماعة أن تظهر كبديل للدولة فى مد يد العون لها، بأساليب أطلقنا عليها اختصارا اسم «سياسة توزيع الزيت والسكر»؟
لماذا ترك نظام مبارك المساجد والزوايا مسرحا لكوادر الجماعة حتى ينشروا عليها سمومهم، بينما أبقت وزارة الأوقاف على الأئمة الذين ينشرون الجهل، ويدفعون الشباب إلى الجرى وراء الفتاوى الضالة والمتطرفة؟
اختار نظام مبارك المواجهة الأمنية أحيانا، والتواطؤ أحيانا أكثر، ولم يختر أبدا الديمقراطية الصحيحة، ولا العدالة الاجتماعية السليمة، ولهذا تعامل مع الإخوان بمبدأ: «اللى على راسه بطحة»، فأمد «الجماعة» بكل سبل الحياة، وهذا وحده كفيل بسجن «مبارك» وكل أركان نظامه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة