أرسلت ( د ) إلى افتح قلبك تقول:
أنا عمرى 34 سنة, متزوجة منذ 12 سنة تقريبا, ولى ولد وبنت, وحياتى مستقرة إلى حد كبير والحمد لله, لكنى أرسل إليكى الآن بخصوص المشكلة التى تطل على بشكل سنوى تقريبا, وخاصة فى رمضان, ولن أطيل عليكى, فمشكلتى هى أنى متدينة بدرجة أكبر بكثير من زوجي, هذا ليس تعاليا ولا تفضيلا لنفسى معاذ الله, ولكنى فقط أعيب عليه كسله وعدم اجتهاده, فأنا بفضل الله لى ورد يومى من القرآن والأذكار, وأحضر درس دين مرة أسبوعيا على الأقل, وألتزم بصلاة السنن والنوافل, وأحافظ على صلاة التراويح والتهجد دائما فى رمضان, حتى أن أولادى بدأوا يعتادون الذهاب معى لصلاة التراويح فى المسجد منذ 3 أعوام والحمد لله.. ننزل جميعا لنصلى تاركين زوجى العزيز يشاهد البرامج والمسلسلات, ونعود لنجده كما هو فى نفس المكان, مهما طالت فترة الصلاة, نستيقظ نحن للسحور وصلاة الفجر, بينما هو نائم لا يستجيب لأى نداء, الأمر الذى يثير جنونى كل رمضان كالعادة, وكأنه موسم لحرق الدم بالنسبة لى.
زوجى يصوم ويصلى الفروض ويخرج زكاته بانتظام لا أنكر ذلك, لكنه يفعل ذلك بحكم العادة, أو كتأدية للواجب, دون أى روح, ودون أى رغبة فى المزيد من التقرب إلى الله, ودون أى إستجابة لأى دعوة أو محاولة منى لجذبه معى فى اتجاه المزيد من الالتزام.
أشعر بالمسافة تتسع بيننا مع الأيام, وأنه يقل من نظرى عاما بعد عام, أرجو ألا تفهمى من كلامى أنى أشعر بأنى أفضل منه.. طبعا الله أعلم, لكنى أتألم لأنى أبذل كل ما فى وسعى وهو لا يحاول, أنا أجتهد وهو لا يبالى, كنت أتمنى أن يكون زوجى دافعا وعونا لى, وقدوة ومثالا لأولاده, حاولت معه كثيرا بالكلام وبالإشارة وبالخصام, ولكن لا شىء يجدى نفعا, فماذا أفعل من وجهة نظرك؟
و إليكى أقول:
تقبل الله منك, وزادك, ورزقك الاخلاص والقبول... مشكلتك سيدتى يقع فيها كثير من الأزواج والزوجات عندما يبدأ فارق الالتزام بينهم وبين أزواجهم فى الظهور, يبدأ أحد الطرفين _ الأكثر التزاما_ بالشعور بتقصير وتهاون وتخاذل الأخر, بينما يشعر هذا الآخر _الأقل التزاما_ بتزمت وتصلب وتعصب شريكه, ويبدأ كل منهما فى مقاومة الآخر, لأن كلاهما يحاول التغيير من شريكه, والتعديل عليه, وفرض أسلوب حياته الخاص عليه, لأن كلاهما يرى أن طريقة حياته هى الأفضل والأصح.
والمشكلة تكون أكبر دائما عندما يكون الطرف الأكثر التزاما هى الزوجة, لأنها تصبح بالنسبة لزوجها فجأة وكأنها ( أبلة الناظرة) التى تحاول السيطرة عليه, وفرض برنامجها على حياته, بصوت الشرع والدين, وتحت شعار التقرب إلى الله, لهذا وفى أغلب الأحوال ومهما صدقت وخلصت نيتها نجد الزوج قد ينفر من زوجته فى صمت, أو يعارضها ويجادلها بلا مبالاة, أو ربما يسخر منها ويسمعها العبارات من نوع ( ست الشيخة) أو ( انتى عشان عرفتى كلمتين زيادة خلاص هاتقرفينا !!)..
فيكون رد فعل الزوجة هو رد فعلك تماما, أن ينزل زوجها من نظرها بالتدريج, لا لأنه يعارضها أو يسفه من كلامها فقط, ولكن لأنه فى نظرها ليس بالهمة والقوة الكافية على البذل والطاعة والتقرب إلى الله.. فتبدأ الدوامة, ويبدأ مسلسل الشد والجذب, الذى ينتهى عادة بكل طرف فى جهة, مع أن البداية كانت خير فى الأصل, والنية كانت طيبة من الأساس.
لكن بعيدا عن كل هذا دعينى أخبرك بشىء مهم جدا يا سيدتي, بالطبع أنت تعرفين وأكثر منى أن الصبر 3 أنواع, النوع الأول وهو أعلاهم درجة_بحسب رأى العلماء_ هو الصبر على الطاعات والبذل والتقرب , كما تفعلين حضرتك, والثانى هو الصبر عن المعاصى ومقاومة الذنوب, والنوع الثالث هو الصبر على المصائب والأقدار المؤلمة... فلماذا تعتقدين تنوعت أشكال الصبر؟, ببساطة لأننا كبشر مختلفون, نتنوع فى قدرة كل منا على تحمل الأشياء والمواقف, لهذا تنوع الصبر, حتى يكون لكل منا نصيبه منه, ومن الجزاء مهما اختلفنا أو تباينت قدراتنا وإمكانياتنا.
فمنا من رزقه الله الطاقة على الصيام والصلاة والذكر والعلم مثلك, فى حين أنه قد يكون غير قوى كفاية لتحمل أى صدمة أو مصيبة مثلا, ومنا من رزقه الله القدرة على الصمود أمام المغريات والذنوب والمعاصى, فى حين أنه قد لا يقوى على صلاة ولو حتى ركعتى النافلة, ومنا من يستطيع تحمل أى قدر سيئ مهما كان صعبا, فى حين أنه قد لا يصبر ويمنع نفسه من أى معصية إذا عرضت عليه...اذا لسنا جميعا قادرون على نفس الأفعال, أو على عدمها, ولكن لكل منا نوعه المناسب من الصبر, حتى يثاب كل منا بحسب قدراته التى ميزه الله بها.
بل وحتى الناس من النوع الأول, الذين يصبرون على الطاعات, ليسوا جميعا سواء, فمنهم من رزقه الله حب العلم والتعلم والقراءة والاطلاع, فيكون هذا هو سبيله إلى الله, ومنهم من رزق القدرة على قيام الليل فى عز البرد أو الحر, أو التعب والإرهاق, ومنهم من رزق الطاقة على الصيام مهما طالت الأيام ومهما اشتد حرها, ومنهم من رزق السعة لأن يتصدق يمنة ويسرة, وينفق فى سبيل الله ليل نهار, ومنهم من رزق حسن الخلق, بحيث يمكنه تحمل سلبيات كل من هم فى حياته من أهل وأصدقاء وزملاء بل وأغراب أيضا.
عزيزتى...أبواب الله كثيرة, ولا أحد منا يستطيع أن يحكم على باب بأنه أعظم من باب, أو أفضل من باب, ولا أحد منا يعرف ثواب وجزاء كل عمل, ولا مقدار إخلاص صاحب العمل عندما يفعله, باختصار لا أحد فينا يستطيع أن يحكم على مكانة الآخر عند الله, ولا بأنه أفضل من فلان أو أقرب من علان, فميزان النوايا أعظم بكثير من ميزان الأفعال, والقلب هو المعيار والفيصل دائما.
قد يكون زوجك أكثر برا بأهله منك, أو أكثر تحملا لك منك, أو أكثر لينا مع أولادك منك, أو أسهل خلقا مع الناس عنك, أو أقدر على التسامح والعفو عنك, أو أو أو...الله وحده أعلم بقدره عنده, فلا تجعلى الشيطان يفسد عليكى قربك من الله, بجعله سبب خلاف ومشاكل مستمر بينك وبين زوجك, ولا تجعليه يحول عليكى تلك الأيام الجميلة المباركة _ رمضان_ إلى موسم عكننة وحرق دم كما تقولين, اتركى الخلق للخالق, ولا تقلقى فلكل منا بابه الخاص إلى الله, ولا أحد يعرف أينا سيكون هو الفائز المقبول.
هبة يس
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة