عطر الأحباب.. شباب امرأة.. فيلم جرىء يدين النساء ويكشف عبقرية الممثلين..عبدالوارث عسر يعطى الفنانين دروساً ثمينة فى فنون التقمص

الجمعة، 22 أغسطس 2014 09:56 ص
عطر الأحباب.. شباب امرأة.. فيلم جرىء يدين النساء ويكشف عبقرية الممثلين..عبدالوارث عسر يعطى الفنانين دروساً ثمينة فى فنون التقمص فيلم شباب امرأة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

للأسف.. استقرت فى عقولنا مفاهيم مغلوطة عن المرأة، بعضها ورثناها عن عادات وتقاليد مشبوهة، وبعضها تصورنا خطأ أن الدين الإسلامى الحنيف يطالبنا بذلك، والحق أن المرأة رزحت تحت ظلم كبير على مدار قرون عديدة، ومازالت تناضل من أجل استعادة حقوقها المنهوبة من قبل اثنين.. هما المجتمع والرجل!


لم تتردد السينما بوصفها أهم راصد لحركة المجتمع وتحولاته فى طرح قضية المرأة على الشاشة البيضاء، فثالث فيلم مصرى فى تاريخ السينما أطلق اسم امرأة على عنوانه وهو «ليلى» الذى أنتجته عزيزة أمير وأخرجته بمشاركة إستفان روستى ووداد عرفى قد عرض فى عام 1927، لكن معظم الأفلام - يصنعها الرجال - كانت تدين المرأة بشكل أو آخر، وإن كانت بصورة غير مباشرة أحيانا، وهو أمر مفهوم لأن السينما مرآة للمجتمع، والمجتمع كما تعلم لا يعامل المرأة بالتى هى أحسن أغلب الوقت بكل أسف.

نصائح أولية

اليوم سأتحدث معك عن فيلم بديع فى تاريخنا السينمائى وهو «شباب امرأة/ عرض فى 6 يناير 1956» للمخرج صلاح أبوسيف والمنتج وحيد فريد ورمسيس نجيب، تمثيل شادية وتحية كاريوكا وشكرى سرحان وعبدالوارث عسر بهذا الترتيب كما كتب فى المقدمة التى تصدرتها لوحة مرسومة تضم امرأة مغرية وكتابًا مفتوحًا و«لمبة» جاز، فى إشارة إلى الصراع المنتظر بين الغريزة والعلم. أما القصة فمن تأليف أمين يوسف غراب، كذلك السيناريو الذى شارك فيه المخرج نفسه، بينما وقع عبء الحوار على السيد بدير صاحب أرشق وأطرف الحوارات السينمائية.

كعادة الأفلام فى ذلك الزمن تتصدر المقدمة نصيحة مكتوبة أو منطوقة تلخص العبرة من الفيلم، وهكذا قبل أن نرى الأسماء نطالع ونستمع إلى هذه الفقرة يلقيها مذيع ذو صوت قوى ومعبر «إلى كل شاب يغترب عن أهله وبلده طلبًا للعلم، وإلى كل والد يريد أن يحقق لابنه مستقبلا مرموقا.. نهدى هذا الفيلم ليعرف الأول مواطن الزلل فيتجنبها، ويدرك الثانى طريق الاستقامة فيسلكه». حين تتمعن فى تلك الجمل ستكتشف أن المصريين من أهل المدن والقرى كانوا يهابون الذهاب إلى العاصمة والإقامة فيها، فالقاهرة - يقولون عنها مصر حتى الآن - هى مثوى الخطر ومأوى الرذيلة كما يعتقدون، الأمر الذى يفسر لك النصيحة التى ألقاها أحد الفلاحين عندما كان شكرى سرحان يتأهب للرحيل إلى القاهرة للالتحاق بالمدرسة - أى الجامعة - قال الرجل الطيب للرجال الذين حوله «الخوف فى مصر يا ولاد من حاجتين اتنين البنات والترمايات»، فالبنات سيجعلن الشاب يسقط فى حب الغواية، والترام قد يدهسه إذا لم ينتبه!

التمثيل بالأرجل والأيدى

يستهل الفيلم بمشهد بديع يعتمد على حركة الأرجل والأيادى، إذ نرى فور انتهاء المقدمة قدمى إنسان - سنعرف لاحقا أنها للفنانة فردوس محمد - تسيران بتردد تبعهما قدما حيوان - سنعرف أنها جاموسة - ثم نشاهد يدًا غليظة تستخرج حفنة أوراق مالية من كيس قماش لتعطيها للمرأة، وحين تحتج المرأة بيديها على قلة المال تدفعها الأيدى بعيدًا. إنها عملية بيع الجاموسة من أجل توفير النقود للابن المسافر، وفى لقطة موجعة للقلب تتحس أيدى المرأة ظهر الجاموسة بحنان قبل أن تودعها للأبد! برع صلاح أبوسيف فى نسج صورة البداية للشاب الريفى المجبر على هجر قريته للحاق بالجامعة فى القاهرة، وقد استقبلته المدينة بضجيجها وصخبها ومعمارها الشاهق ونسائها الفاتنات. وإذا كان الشاب يدعى «إمام» فى إشارة إلى تدينه كما أكد رجال القرية إلا أن سطوة الغريزة ستقتلع بكارته من جذورها فى أول اختبار حقيقى يتعرض له.


الرموز والدلالات

يمتاز صلاح أبوسيف بعشقه للرموز فى عالم السينما، ففى كل أفلامه تقريبا يتعمد أن يبتكر رمزا يوافق اللحظة الفنية الراهنة، ففى بداية الفيلم - كما فات عليك - شاهدنا قدمى فردوس وأقدام الجاموسة، وفى أثناء الفيلم تابعنا همّة الشاب شكرى سرحان المترع بالرغبة والذكورة فى علاقته المحرمة بشفاعات - تحية كاريوكا - بينما كان «البغل» فى الطاحونة يدور بالهمة نفسها، فلما أنهك صاحبنا الريفى من شدة الإفراط فى ممارسة الجنس، انهدّ حيل البغل وسقط مريضا غير قادر على القيام بوظيفته!

فى مشهد آخر.. أجبرت تحية كاريوكا معشوقها على الزواج منها وإلا أدخلته السجن بتهمة سرقة سوار ذهب، فيضطر شكرى سرحان إلى الرضوخ لأوامر المرأة المتسلطة فتسحبه من يده فى الحارة متجهة إلى مكتب المأذون وقد سبقته بخطوتين، فى الوقت الذى نرى فيه امرأة عابرة تسحب «خروفا» خلفها، وكأن صلاح يريد أن يخبرنا أن حال «إمام» تشبه حال الخروف لا حول له ولا قوة!

أما فى مكتب المأذون فقد وضع المخرج الكبير الكاميرا داخل المكتب المعتم، بينما الحائط المواجه للمكتب علق عليه إعلان ضخم عن زجاجة الكوكاكولا مكتوب عليه «كبيرة ولذيذة»، فى إشارة إلى أن تحية كاريوكا امرأة كبيرة ومع ذلك فهى «لذيذة»، فى محاولة لتهدئة خاطر الزوج الجديد!


براعة الممثلين

فى ظنى أن هذا الفيلم قدم أكبر وجبة دسمة فى فنون التمثيل، فتحية كاريوكا تقمصت باقتدار شخصية المرأة الشبقة ذات الشخصية القوية التى يرتبك أمامها الرجال، فهى تأمر فتطاع، وتلعن ذاك وتسب هذا، ثم تحوك الدسائس لتعيد حبيب القلب إلى عُشها، أما شكرى سرحان الشاب الريفى القح فقد أقنعنا أنه قادم من أعماق الريف المسالم الذى لا يعرف شيئا عن آداب المدينة، فيتحرك فجرًا منتعلا «القباب» الذى يزعج النائمين، ويجلس على الأرض هازا جزعه بإيقاع ثابت وهو يتلو ما تيسر من ألفية ابن مالك، وهو المسكون بخجل شديد حين يدخل بيت أقربائه ويتحدث إلى شادية - الحبيبة البريئة - التى تقف بجواره فى مواجهة شرور حسنات!


أما عبدالوارث عسر هذا الممثل المقتدر أستاذ الأداء فى معهد التمثيل فقد أذهلنا بأدئه المدهش فى هذا الفيلم، فالرجل مستكين.. مطيع.. يتحرك بانحناءة خفيفة كاعتراف بانسحاقه، بعدما كان موظفا كبيرًا ذا شأن.. والرجل متعاطف مع الوجه الجديد فى الحارة مشفق عليه من الانغماس فى نيران الشهوة.. يخشى عليه من رياح الأنوثة الطاغية.. ومع ذلك فـ«حسبو» - اسمه فى الفيلم - يعاقر الخمر.. يقاوم وحدته الليلية بالسُكر.. يهفو قلبه إلى تحية كاريوكا ويتجرأ محاولا احتضانها فتصده وتلفظه موبخة «يا راجل عيب على طقم سنانك»، فيهتف على الفور معاتبًا «ما انت اللى طرمتيهم»!

أعرف أنك شاهدت الفيلم غير مرة، وأنك تستمتع به كثيرًا مثلما أستمتع به، ومع ذلك ينبغى القول إن هذا الفيلم يدين النساء بقوة، ويجعل من بطلته رمزا للشر المستطير، فلا توجد نقطة خير واحدة تضىء صدر تحية كاريوكا، وهذا يتناقض مع الواقع ومع الفن، وحتى حين حاول صناع الفيلم أن يجعلوا من شادية رمزا للخير، فقد أحاطوها بهالة من البراءة التى تتناقض مع الطبيعة الإنسانية، وإن كان المشاهد سينسى شادية بخيرها وبراءتها وسيظل متذكرا تحية بشراستها وشبقها.
«شباب امرأة» فيلم جميل وممتع حتى لو كان يدين المرأة!




موضوعات متعلقة..


ورحل «شاهد القضية» بعد أن أزعج المحكمة!.. سميح القاسم.. «طائر الرعد» يغادر سماء .. فلسطين مكللاً بالشعر والزيتون والمجاز


اكتشف نجيب الريحانى ديانته بعد صداقة دامت 40 عاماً.. بديع خيرى.. موهبة فذة فى المسرح والشعر والغناء عمرها 121 عاماً.. كتب كلمات «سالمة يا سلامة» و«الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية»


محمد غنيم يكتب : أشهرها لسعد زغلول وطه حسين و«نهضة مصر»..تماثيل القاهرة وميادينها تروى حكاية القاهرة فى 150 عاماً.. سياسيون وأدباء..نجوم مضيئة فى تاريخ مصر








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة