أطل الشاعر محمود درويش بهيبة، فرفع الشاعر سميح القاسم يده اليمنى مناديا: «تعالى يا محمود»، فجاء محمود.
كانت مفاجأة، اعتبرتها أنا وصديقى الصحفى الراحل «مجدى حسنين» كنزا لو نجحنا فى جلسة صحفية تضمهما سويا، فالاثنان شطرا برتقالة الشعر والحياة فى تاريخ النضال الفلسطينى
لخصها «سميح» فى كلمات بليغة ومؤثرة بعد وفاة درويش 2008: «نفرح ونحزن، نهدأ ونغضب، وصديقان منذ الصبا، تقاسمنا رغيف الخبز معا، لعبنا معا، كتبنا الشعر فى السر والعلن معا، خفت عليه وخاف علىّ».
كنا فى الثامنة مساء الرابع من نوفمبر عام 1988، وكان فندق شبرد هو مسرح اللقاء، كانت القاهرة تستضيف مؤتمر «الحفاظ على المقدسات الفلسطينية»
وكان ينظمه «اتحاد الفنانين العرب» برئاسة الراحل الكبير سعد الدين وهبة، أيام كان لهذا «الاتحاد» حياة، وكان ياسر عرفات على قمة المشاركين بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
جاء «سميح» «الذى رحل عن عالمنا قبل أيام»، للمشاركة فى المؤتمر
وكانت المرة الأولى التى يأتى فيها إلى القاهرة، وقال لنا: «لا أصدق أننى أرى عاصمة عربية خالصة، هذه أول مرة تحدث فى حياتى».
أثناء المؤتمر، عقد «سميح» و«درويش» أمسيتين، واحدة على مسرح الجلاء لهما فقط، والثانية على مسرح البالون بمشاركة الشاعرين مريد البرغوثى، وأحمد دحبور، وفى أمسية «البالون» ألقى «درويش» بشجن وتأثر قصيدته المهداة إلى «سميح»: «أسميك نرجسة حول قلبى»، وكان «سميح» يجلس بجواره على خشبة المسرح، عيناه صوب الأرض
ويهز رأسه وأحيانا جسده، ولاحظ الجمهور تأثره حين قال درويش: «أسميك نرجسة حول قلبى.. لو كان قلبى معك.. وأودعته خشب السنديان.. لكنت قطعت الطريق بموت أقل».
فى اليوم التالى للأمسية توجهنا إلى «شبرد»، للقاء الشيخ عبدالحميد السايح رئيس المجلس الوطنى الفلسطينى، لكن اللقاء تأجل، ودعانا «سميح» للجلوس معه وكنا تعرفنا عليه قبلها بيومين.
قال مجدى لسميح: «كان التأثير واضح عليك إمبارح، ودرويش بيلقى قصيدة» أسميك نرجسة حول قلبى، رد سميح: «آه محمود ابن..... أبكانى»، وحينئذ أطل «محمود» فناداه «سميح» لتبدأ وقائع جلسة استمرت نحو ثلاث ساعات، وانضم إليها الفنان الراحل كرم مطاوع، والكاتب الروائى يوسف القعيد، والشاعران أحمد دحبور، وهارون هاشم الرشيد.
كان إلقاء «سميح» لشعره فى أمسيتى «البالون» و«الجلاء» مسرحيا «يدبدب، ينط، يتمايل، بينما» يقف «درويش» ثابتا، يعبر بصوته عن الدراما فى شعره، فسألتهما عن طريقة إلقائهما
وكانت الإجابات ثرية، وفيها ذكر سميح قصيدة لا يجب قراءتها بعنوان «تغريبة» وكتبها عندما اعتقد أن «محمود» قتل بقذائف إسرائيل أثناء حصار بيروت 1982 ويقول فيها: «فماذا عسانى أفعل وحدى.. وماذا ستفعل وحدك.. وقد صار لحدى مهدى.. ومهدك لحدك.. أأنشد عنك.. وتنشد عنى»، وغدا نستكمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة