بدأت أمس فى الكتابة عن لقائى وصديقى الصحفى الراحل مجدى حسنين، مع الشاعرين الكبيرين محمود درويش، وسميح القاسم الذى رحل منذ أيام، وأستكمل.
سألت «سميح» عن القصيدة التى لا يحب إلقاءها؟، فأجاب بأن الجمهور يطالبه كثيراً بقصيدة «سأقاوم»: «ربما تحرق أشعارى وكتبى / ربما تطعم لحمى للكلاب / ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب / يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم / وإلى آخر نبض فى عروقى سأقاوم»، أضاف «سميح»: «أنا مللت منها، وأقرأها مجاملة للناس وليس حباً فيها، الجمهور فى ذهنه وذاكرته قصيدتان أو ثلاث أو أربع، شكلوا مفهوم شعر المقاومة عنده، ولا يحيد عن الرغبة فى سماعهم».
سألته، هل معنى ذلك أن الجمهور لا يتطور ذوقه الشعرى؟، فأجاب: «الجمهور لا يتطور ذوقه الشعرى مثلما يتطور ذوق الشاعر نفسه، هى صنعتنا، شغلتنا ليل نهار، نلهث، نجرى وراء أنفسنا، لأن قضية التطور تهمنا جداً، أما الجمهور فلا، هو لو سمع قصيدة وأحبها وارتبطت بوجدانه، يظل يسمعها حتى لو 500 سنة، وأمام ذلك أتصور إننا حين نقرأ هذه القصائد، نقرأها مجاملة للوجدان الشعبى، يعنى هى تنتقل من ملكية خاصة إلى ملكية عامة، ومن الصعب استرداد هذه الملكية، كل شاعر مكرس له قصيدة أو اثنين أو ثلاث صاروا «كلاسيك»، أبوالقاسم الشابى عنده قصائد كثيرة بديعة، لكن الناس تلخصه فى: «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر».
ذكر «درويش» أن قصيدته التى لا يحبها هى: «سجل أنا عربى»، لنفس الأسباب التى قالها «سميح»، وامتد الحديث حول هذه النقطة كثيراً، حتى فاجأنا «سميح» بذكره أنه كتب قصيدة «سأقاوم»، تحت تأثير ما قرأه عما حدث فى قرية «دنشواى» هنا فى مصر عام 1906، والتى أعدم فيها الاحتلال الإنجليزى عدداً من الفلاحين فى محاكمة ظالمة نتيجة موت ضابط إنجليزى بضربة شمس وهو يصطاد الحمام فى القرية، قال سميح : «لم أر دنشواى، لكنها بقيت فى أعماقى مثل «هيروشيما» اليابانية التى دمرتها أمريكا بسلاحها النووى فى الحرب العالمية الثانية، ومن دنشواى إلى هيروشيما اختلط كل هذا مع ما حدث من تدمير لقرانا على أيد الاحتلال الصهيونى لقرانا فى فلسطين عام 1948، يمكن يكون كل هذا فيه صورة من الميثولوجى «الأسطورة» لكنه صار رمزا فى القصيدة لكل ما يفعله المحتل فى كل مكان، فى فلسطين، فى مصر».
وجه «مجدى حسنين» سؤالاً إلى محمود درويش عما إذا كان يفكر فى اقتحام التأليف الروائى والمسرحى مثل «سميح»، فأجاب «درويش» باستفاضة منتهيا إلى القول: «أقف على باب التمنيات بأن أصحو فأجد الرواية بجانبى، أتمنى أن أكون من أصحاب الروايات، أن أكون روائياً»، والتقط «سميح» الكلام موجهاً كلامه لـ«محمود»: «ممكن يكون محمود روائياً شرط يكون متوفر له الاستقرار»، فرد محمود: «استقرار مجتمعى، الرواية تحتاج إلى ذلك، والمسرح أيضاً»، فعلق سميح: «لا، لا».. وغداً نستكمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة