الحلقة الثالثة مع ابن بطوطة.. يروى سر الـ16 ذراعا فى طول مقياس النيل.. ولماذا بنى أهل مصر المدارس قرب المقابر.. وكيف يعجز الإنسان عن وصف المارستان بین القصرين عند تربة قلاوون

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014 09:16 م
الحلقة الثالثة مع ابن بطوطة.. يروى سر الـ16 ذراعا فى طول مقياس النيل.. ولماذا بنى أهل مصر المدارس قرب المقابر.. وكيف يعجز الإنسان عن وصف المارستان بین القصرين عند تربة قلاوون ابن بطوطة
تحررها سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ترك ابن بطوطة دمياط وسافر إلى مدينة مصر ويقصد القاهرة، راكبا النيل، وقال: وصلت إلى مدينة مصر هى أم البلاد وقرارة فرعون ذى الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد كثيرة العمارة المتناهية الحسن والحضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحل رحلات الضعيف والقادر وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف ومنكر ومعروف، وتموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يتجدد على طول العهد، ولا تبرح منزل السعد، ولها خصوصية النيل الذى أجل خطرها، وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوى الغربة.

ويقول فيها الشاعر:
لعمرك ما مصر بمصر وإنما هى الجنة الدنيا لمن يتبصر
فأولادها الولدان والحور عينها وروضتها الفردوس والنيل كوثر

مسجد عمرو بن العاص
مسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبیر القدر شهير الذكر، تقام فیه الجمعة، والطريق يعترضه من شرق إلى غرب وبشرقه، وفيه الزاوية حیث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعى، وأما المدارس بمصر فلا يستطيع أحد حصرها لكثرتها: وأما المارستان (المستشفى) الذى بین القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون، فیعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعد فیه من المرافق والأدوية ما لا حصر لهن ويذكر أن إيراده ألف دينار كل يوم، وأما الزوايا فكثیرة، ويسمونها الخوانق.

خادم الزاوية يطعم الفقراء ما يشتهون
والأمراء بمصر يتنافسون فى بناء الزوايا وكل زاوية بمصر معینة لطائفة من الفقاء، وأكثرهم الأعاجم (غير العرب)، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف، ولكل زاوية شیخ وحارس، وترتیب أمورهم عجيب.

ومن عوائدهم فى الطعام أنه يأتى خادم الزاوية إلى الفقراء صباحا، فيطلب كل منهم ما يشتهيه من الطعام، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه فى إناء على حدة لا يشاركه فیه أحد، وطعامهم مرتان فى الیوم، ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصیف.

ولكل طالب بالزاوية مرتب شهرى من ثلاثین درهما للواحد فى الشهر إلى عشرين، ولهم الحلاوة من السكر فى كل لیلة جمعة، والصابون لغسل أثوابهم والأجرة لدخول الحمام، والزيت للاستصباح، وهم أعزاب، وللمتزوجین زوايا على حدة، ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس، والمبیت بالزاوية، واجتماعهم بقبة داخل الزاوية، ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به.

وإذا صلوا صلاة الصبح قرأوا سورة الفتح، وسورة الملك، وسورة عّم، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظیم مجزأة، فیأخذ كل فقیر جزءا، ويختمون القرآن، ويذكرون، ثم يقرأ القراء على عادة أهل المشرق، ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر، ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتى باب الزاوية فیقف به مشدود الوسط، وعلى كاهله سجادة، وبیمناه العكاز، وبیسراه الإبريق. فیعلم البواب خديم الزاوية بمكانه فیخرج إلیه، ويسأله من أى البلاد أتى، وبأى الزوايا نزل فى طريقه ومن شیخه، فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية، وفرش له سجادته فى موضع يلیق به، وأراه موضع الطهارة فیجدد الوضوء، ويأتى إلى سجادته، فیحل وسطه، ويصلى ركعتین، ويصافح الشیخ ومن حضر، ويقعد معهم.

ومن عوائدهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جمیع سجاجیدهم فیذهب بها إلى المسجد ويفرشوها هنالك، ويخرجون مجتمعین، ومعهم شیخهم فیأتون المسجد، ويصلى كل واحد على سجادته، فإذا فرغوا من الصلاة قرأوا القرآن على عادتهم. ثم ينصرفون مجتمعین إلى الزاوية ومعهم شيخهم.

أهل مصر يبنون المدارس قرب المقابر
ولمصر القرافة (المقابر) العظیمة الشأن فى التبرك بها، لأنها من جملة الجبل المقطم الذى وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة، وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة، ويجعلون عليها الحیطان فتكون كالدور، ويبنون بها البیوت، ويرتبون القراء يقرأون لیلاً ونهارا بالأصوات الحسان، ومنهم من يبنى الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ويخرجون كل لیلة جمعة إلى المبیت بأولادهم ونسائهم، ويطوفون على الأسواق بصنوف المآكل.

ومن المزارات الشريفة المشھد المقدس العظیم الشأن حیث رأس الحسین بن على عليهما السلام، وعلیه رباط ضخم عجیب البناء، على أبوابه حلق الفضة وصفائحھا أيضا كذلك، وهو موفى الحق من الإجلال والتعظیم، ومنها تربة السیدة نفیسة بنت الحسن الأنور بن على بن الحسین بن على عليهم السلام، وكانت مجابة الدعوة مجتهدة فى العبادة، وهذه التربة أنیقة البناء، مشرقة الضیاء عليها رباط مقصود، ومنها تربة الإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى رضى الله عنه، وعليها رباط كبیر، ولها جراية ضخمة، وبها القبة الشهيرة البديعة الإتقان، العجیبة البنیان، المتناهیة الإحكام، المفرطة السمو، ووسعتها أزيد من ثلاثین ذراعاً.

وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحین ما لا يضبطه الحصر، وبها عدد جم من الصحابة، وصدور السلف والخلف رضى الله تعالى عنهم مثل عبد الرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، وأصبغ بن الفرج، وابنى عبد الحكم، وأبى القاسم بن شعبان، وأبى محمد عبد الوهاب، لكن لیس لهم بها اشتهار، ولا يعرفهم إلا من بهم عناية، والشافعى رضى الله عنه ساعده الجد فى نفسه وأتباعه وأصحابه فى حیاته ومماته، فظھر من أمره مصداق قوله: الجد يد فى كل أمر شـائع والجد يفتح كل باب مغلق.

سر الـ16 ذراعا فى طول النيل وعرضه
ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة، والمدن والقرى بضفتيه منتظمة، ليس فى المعمور مثلها، ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل، وليس فى الأرض نهر يسمى بحرا غيره، قال الله تعالى: فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم فسماه يما وهو البحر، وفى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى، فإذا فى أصلها أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فسأل عنها جبريل عليه السلام فقال: أما الباطنان ففى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.

وفى الحديث أيضا النيل والفرات وسيحون وجيحون كل من أنهار الجنة، ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار، ومن عجائبه أن ابتداء زيادته فى شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهار وفيضها، ونهر السند مثله فى ذلك، وسيأتى ذكره، وأول ابتداء زيادته فى حزيران وهو يونيه، فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان، فإن زاد ذراعا كان الخصب فى العام والصلاح التام، فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع، وأعقب الوباء.

وإن نقص ذراع عن ستة عشر نقص خراج السلطان، وإن نقص ذراعين استسقى الناس، وكان الضرر الشديد، والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار، وهى النيل والفرات والدجلة وسيحون وجيحون، وتماثلها أنهار خمسة أيضا: نهر السند ويسمى ينج أب ونهر الهند ويسمى الكنك، وإليه تحج الهنود. وإذا حرقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه ويقولون هو من الجنة، ونهر الجون بالهند أيضا، ونهر اتل بصحراء قفجق، وعلى ساحله مدينة السرا، ونهر السرو بأرض الخطا، وعلى ضفته مدينة خان بالق، ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين، وسيذكر ذلك كله فى مواضعه إن شاء الله، والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام ولا يعبر نهر منها إلا فى السفن شتاء وصيفا، وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مد أترعها ففاضت على المزارع.








موضوعات متعلقة..


"ابن بطوطة" يروى حكاية سيدة دمياطية راودت شيخا عن نفسه فأزال حاجبيه ليفزعها.. وقصة الشيخ المبتدع الذى تظهر لحيته وتختفى فجأة وسط القبور.. و"البرلس" بلاد الصالحين..وأمير "فارسكور" الذى دفع نفقة رحلته ‎









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة