آخر شهادة لرئيس الوزراء الأسبق الدكتور على لطفى، أنه صاحب فكرة مشروع محور قناة السويس، وأن مبارك أصابه الفزع عندما عرضه عليه، وقال له "أنت عايز إرهابيين يضربوا سفينة فى القناة ويضيعوا علينا المليارات"، فقال له لطفى "اللى يخاف ميحكمش".. وأنا "مغمض عنيا" أقول إن هذا الكلام لم يحدث، وإنه من قبيل الشجاعة بأثر رجعى، وأن هذه الأيام تشهد سيولة هائلة فى الادعاءات، وعلى لطفى أول من يعلم أن مبارك لن يرد ولن يدافع عن نفسه ولن يتكلم، وكان من مروءة الشهادة أن يتركه فى حاله ولا يحقق فوزا على ضعفه وهوانه، والسؤال: هل كان على لطفى يجرؤ أن يقول لمبارك وهو فى قمة قوته ونفوذه: اللى يخاف ميحكمش؟ اعتقادى الشخصى: لا.
لا تشغلوا أنفسكم بمبارك ولا تجعلوه عنوانا دائما فى وسائل الإعلام، فقد شاء القدر أن يرد له جزءا من اعتباره وهو حى، وأن يكتشف الناس بأنفسهم أنه لم يكن شيطانا كما صوروه، وإنما بشر يخطئ ويصيب وينجح ويفشل، وإنه حافظ على سلامة مصر طوال سنوات حكمه ولم يعرضها لمغامرات عنترية، وكان مظهره وهو فى القفص شديد الدلالة على رجل دولة، يحترم سلطات بلاده وقوانينها، ولم يقل لقاضيه "إنت مين يا عم" ولم يدر له ظهره أو يتفوه بنقائص الكلام، ومصيره الآن فى يد قضاء مصر العادل، وسواء كان الحكم بالبراءة أو الإدانة، فاتركوه يعيش أيامه الأخيرة فى سلام.
أعلم أن مثل هذا الكلام سوف يغضب كثيرين، وسوف تبدأ محاكم التفتيش فى توزيع الشتائم والاتهامات، لأن القوى والتيارات السياسية المحبطة تريد الحرائق مشتعلة والمشانق منصوبة وميدان التحرير كامل العدد، ومن عوامل الجذب والتشويق والحشد، أن تتصدر صورة مبارك ورأسه معلقة فى المشنقة الميدان، وبجوارها خصومهم الذين يضموهم للبانوراما كل يوم، تحت شعار المحاكمة السياسية، أى من يبرأه قاضيه الطبيعى، فلن ينجو من قضاة الميدان ملوك المحاكم الشعبية والقوانين العرفية.. وآه لو انفتحت بوابة جهنم فسوف يساق إليها الجميع فرادى وجماعات.
شهادة على لطفى عن مشروعه المزعوم تأتى فى هذا السياق، فهى لا تستهف نفعا أو نصحا، ولا تقدم رؤية أو إقتراح ولم تزح الستار عن جريمة ارتكبها مبارك ويجب أن يحاسب عليها، وتأتى بعد ثلاث سنوات ذاق فيها مبارك كل صنوف الاتهامات، بما يعنى أنها لن تؤلمه إذا كان الغرض إيلامه، ولن توجعه لأنه ذاق أفدح منها عشرات المرات، ومعلوماتى المتواضعة أن المشروع ظل قيد البحث منذ شق قناة السويس أيام الخديوى إسماعيل، لكنه تعطل لأسباب يطول شرحها، والمهم الآن ليس البحث فى الدفاتر القديمة للفوز ببراءة الاختراع، وإنما التطلع للمستقبل وغلق صراعات الماضى، فالناس لا يعنيهم أن يكون المشروع فكرة ديليسبس أو مبارك أو على لطفى، ولكن أن يفتح فى وجوههم أبواب الخير والرزق ولقمة العيش.
كنت أنتظر من الدكتور على لطفى أن يحكى أسرار سيطرة رجال الأعمال على الدولة والقرار السياسى، وكيف اخترقوا الوزارة والبرلمان واستولوا على الأراضى وحققوا مليارات فى سنوات قليلة، وكيف تعطل فانون تعارض المصالح حتى يستمر مسلسل النهب، وكيف غرست الرأسمالية المتوحشة أنيابها وأظافرها فى رقبة نظام مبارك.. فمثل هذا الكلام هو الذى ينفع البلاد والعباد، لأنه ينير طريق الرئيس الجديد، فلا يقع فى أخطاء الماضى.