خرجوا من مصر بحثا عن لقمة العيش، خرجوا لأنها ضاقت، لم يخرجوا للتنزه ولا من أجل الثراء الفاحش، هى فى النهاية ليبيا التى تدفع أجورا تزيد قليلا على الأجور هنا، خرجوا لأن الوصول إلى هناك أرخص وأسهل، ولا يوجد كفيل يلعب بمصائرهم، ولأنهم لا يشعرون أنهم هناك غرباء، وكان الليبيون طيبين ولم تتلوث أيديهم بالدماء بعد، خرجوا رغم المخاطر، لأنه ما باليد حيلة، وحكومة وطنهم غير قادرة على استثمار وجودهم فى سوق العمل، كانت ليبيا المحطة الأولى للخروج الكبير للمصريين بعد هزيمة 67، طوال تاريخهم لم يخرجوا من حدودهم للعمل، كانت الهزيمة مهينة، وترتب عليها أن تعيش فى بلد آخر كمواطن لا يتمتع بحقوقه كاملة.
فى السبعينيات توقف البناء هنا، وبدأ البناء فى صحارى الأشقاء، جاء الانفتاح بالخير للمنفتحين، وضاقت الدنيا فى عين الشغيلة، يوجد فى ليبيا الآن مليون و600 ألف مصرى فى العراء، يعانون كالليبيين من حروب عبثية بين الأقارب والجيران، المصريون هناك ليسوا طرفا فى صراع، هم هناك لأن حكومتهم فاشلة وغير قادرة على تأمين مستقبلهم على أرضهم، مشاهد نزوحهم تذكرك بالهزائم الكونية التى نقرأ عنها فى الأساطير، التوقيت ليس فى صالحهم هنا أو هناك، كأن مؤامرة كونية تحاك ضد فقراء مصر فى كل مكان، يموت أناس منهم بعد وصولهم لحدود تونس، بعد نجاتهم من الحرب الحقيقية، الجهود الدبلوماسية شغالة على أعلى مستوى، ومصر للطيران تلزم الذين كتب الله لهم النجاة بكتابة تعهد بدفع ثمن العودة إلى الوطن، والوزير ينفى.. أى حزن هذا؟