من أخطر المشكلات التى تواجه مجتمعًا ما هو إشعال المعارك فى التوقيت الخاطئ، وسوف يتحمل نخبة هذا المجتمع وزر جرّ الناس إلى مناقشة قضايا لا صلة لها بالواقع، أو دفعهم إلى الاهتمام بأمور تافهة لا تناسب الزمان ولا المكان.
فى مصر.. نعانى كثيرا من هذه المشكلة، فكل فترة وجيزة ينشغل المصريون بموضوع معين لا علاقة له بمشكلاتهم الحقيقية، وكيفية تجاوزها، فقبل سنوات معدودة خرج علينا واحد من تجار الدين بفتوى عن إرضاع الكبير، فقامت الدنيا ولم تقعد حول هذا الكلام المخبول، وتبددت طاقات الناس النفسية والعصبية فى مناقشة أمر بائس لا يليق أن يتحدث فيه أحد ونحن فى القرن الحادى والعشرين.
ولما جاء الإخوان إلى الحكم فى غفلة منا طل علينا أصحاب اللحى المخيفة يعلنون أنهم ينتوون هدم الهرم لأنه من الأصنام، ويُخشى أن يفتتن به الناس فيعبدوه! وقد ذكرتنى هذه الفتوى المجنونة بحكاية واحد من مشايخ القرن قبل الماضى حين جاء إلى الأستاذ الإمام محمد عبده (شيخ الأزهر الجليل الذكى والنبيه الذى توفى عام 1905)، وطلب منه أن يهدم التماثيل الفرعونية خشية أن يعبدها الناس، فكان الرد البليغ من الأستاذ الإمام هو أن طلب حبلا يربط به لسان صاحبنا خشية أن يكذب، وهكذا دحض هذا الشيخ المستنير فكرة متخلفة فى مهدها!
إن مشكلتنا تكمن فى عدم تقدير الأوليات وترتيب أهميتها، فلا يصح أن تواصل إسرائيل عدوانها الغاشم على أهالينا فى غزة طوال شهر، ونحن نتحدث عن عذاب القبر وهل هو أمر صحيح أم أنه خارج عن المفهوم الصائب للدين الإسلامى الحنيف (أفتح هذا القوس لأخبرك بأن المصريين القدماء كانوا يلجأون قبل 5000 سنة إلى كهنة المعابد الفرعونية ليزودوهم بتعاويذ ورقى تحميهم من عذاب القبر عند موتهم كما جاء فى الكتاب المدهش «فجر الضمير» لعالم المصريات الأمريكى هنرى بريستد، وكان المصرى القديم يدفع مبالغ كبيرة للكاهن نظير حصوله على هذه التعاويذ).
لا أظن أننا سنتقدم ونلحق بركاب الحضارة الحديثة إذا لم ندرك كيف نشعل معاركنا ونديرها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة