يوجد أشخاص تتفادى الكتابة عنهم بعد رحيلهم، ربما لأنك لم تستوعب بعد رحيلهم، يقطعون عليك الطريق أو يلوحون لك بين الحين والآخر، تتوقع دخولهم فى أى لحظة فى الأماكن التى كانت أماكنهم، أنت متأكد أنهم ماتوا وأنك كنت هناك مع المشيعين، وتكون شاهدا على الأحزان الحقيقية الصادقة التى صاحبت الرحيل، ومع هذا تتوقع مفاجأة، هانى درويش واحد من هؤلاء، لم يكن مريضا، ذهبنا خلف جثمانه إلى قريته الروضة فى بركة السبع قبل عام، وعدنا، كان من أصدق أبناء جيل التسعينيات فى مصر، حر التفكير، لا يتحدث مثل مستشرقى جيله الذين يقيسون الأمور فى مصر بمعايير أوروبية، كان يفتش عن البهجة وعندما يجدها يروج لها، الصحافة اللبنانية انتبهت إلى قيمة ما يكتبه أكثر.
كانت تجربة جريدة البديل النقية متسقة مع روحه، بعد إغلاقها كان من الصعب أن يلعب فى مكان آخر، لم يكن ناقدا رياضيا ومع هذا كان أكثرنا خبرة باللعبة، يمتلك مشاعر المشجع البدائى، يحب الأهلى وبرشلونة، ويدرس الفرق المنافسة كأنه سيدير مباراتيهما، فى بطولة كأس العالم الأخيرة كان يظهر بعصبيته المحببة ويختفى، لم يكن ناقدا أدبيا ومع هذا يشير إلى مناطق القوة ويدافع عنها، يعرف أقدار الناس، وربما غفر لأحدهم تقديرا لموهبته، لم يكن خبير استراتيجيا عليما ببواطن الأمور ولكنه كان المثقف الذى يملك طاقة روحية ملهمة قادرة على تفسير الأمور ببساطة مذهلة، كان مشروعا إبداعيا متكاملاً فى مناخ ضد الإبداع، تجمع أصدقاؤه أمس الأول للاحتفال بذكراه.. وكان موجودا.