لم تذق عيناى النوم ليلة الاثنين، كلما مر أمامى شريط تعذيب أطفال دار مكة، ياه.. هل فى مصر وحوش آدمية نُزعت من قلوبهم الرحمة بهذا الشكل؟ وهل نحن نعيش فى بلد «سايبة» إلى هذا الحد؟ والصدفة وحدها هى العناية الإلهية التى تنقذ المعذبين فى الأرض، وإذا لم تكن مطلقة هذا الخنزير قد أرادت الانتقام منه، فبثت الفيديو الذى صورته منذ فترة طويلة، هل كان المجرم يفلت بجريمته بل ويستمر فى التنكيل بأطفال أيتام حرموا من حنان الأبوين وعطف الأقارب وأوقعهم حظهم العثر بين أنياب كلب مسعور، ينهشهم بلا آدمية بالصورة التى أبكتنا جميعا وجعلتنا نرفع أيدينا بالدعاء أن ينتقم منه العزيز الجبار، وأن يشل يديه اللتين كانتا تتفننان فى التعذيب والإيذاء وكأنه يطرب وهو يستمع لبكاء الصغار وينتشى للرعب والفزع فى عيونهم، ثم يقذفهم بقدمة الطويلة وكأنه يلعب الكرة ويسجل هدفا؟
يا فرحتى بوزيرة التضامن التى انتفضت من نومها لتدين الحادث الهمجى، مثلما تفعل الجامعة العربية فى بيانات ذر الرماد فى العيون إزاء مذابح غزة، واهتفوا لمحافظ الجيزة صاحب القرار الجرىء بغلق الدار، فكلاهما كان يجب أن يستقيل فورا لو عنده ذرة إحساس بالمسؤولية، ومعهما طابور طويل من مساعديهم المقصرين، والأكثر خزيا أن كليهما أراد أن يحقق نصرا مبينا بدموع الأطفال وفزعهم ورعبهم، وأين كانا قبل ظهورهما التلميعى فى وسائل الإعلام، ومن الذى يفتش ويراقب ويرصد المخالفات ويعطى الموافقات لهذا المجرم، ليجمع التبرعات ويستثمر يُتم الأطفال فى جنى ثروات يملأ بها كرشه بالسم الهارى وهل نترك الصدفة وحدها لتكون قانون الكشف عن المجرمين؟
مصر كلها نامت ليلة سوداء لأن كل واحد منا تخيل أن هؤلاء الضعفاء المستسلمين هم أولادنا أو إخوتنا أو حتى لا تربطنا بهم أى صلة، وأن الزمن غدر بهم فأصبح لا حول ولا قوة لهم إلا بالله العلى العظيم، وهم لا يستطيعون الشكوى أو الاستغاثة، وكل ما فى وسعهم أن يستعطفوا القاتل بدموعهم وصراخهم، أن يرحمهم وينزل بهم أقل قدر من العذاب، فكانت رحمته قذفة قوية بالقدم، تسقطهم أرضا «كالطير يرقص مذبوحا من الألم» مع فاصل من الشتائم المنتقاة.. وسؤالى هنا: من هو المجرم الذى وافق له على إنشاء الدار، أليست هناك تحريات وشهادات طبية ونفسية لهؤلاء البشر، أليس هناك مرور دورى وتقارير رقابية.. ولا خلاص كل شىء فى بلدنا أصبح له ثمن ويباع ويشترى بالرشاوى والهدايا؟
إننا أمام مأساة كبرى بسبب هذه الدور، تجسدت فى صور عديدة، أكثرها إيلاما مسيرة الأطفال بالنعوش فى رابعة وعلى صدورهم عبارة «مشروع شهيد» يتزعمهم وجدى العربى، ومع ذلك لم يتحرك أحد لمحاربة الفساد والتسيب ووقف الجريمة، وسافر وجدى العربى خارج البلاد مستمتعا بالأموال الطائلة التى جمعها من بيزنس دور أيتام الأطفال ولم تتحرك وزارة التضامن لتبسط سيطرتها وتعدل قانونها بما يتيح تنقية العمل الخيرى من النصابين والمحتالين والمجرمين فأصبحوا يغرفون من أموال الزكاة وتبرعات أهل الخير، والإعفاءات القانونية لأنشطتهم، وواضح أنهم يسيرون على هدى القاعدة الذهبية «اطعم الفم تستحى العين».. وربنا ينتقم منكم جميعا.