فى مطار القاهرة وقفت سائحة دنماركية جميلة فى صالة المطار تائهة، تبحث عن أحد ما، فى هاتفها تنظر بعض الوقت، وفى وجوه الناس تنظر بقية الوقت، ظل الأمر لساعات حتى أدركت الفتاة الدنماركية أن خطأ ما حدث.
توجهت إلى أمن المطار، وأخبرتهم الحقيقة: أنا لا أملك المال الكافى، ولا أعرف شيئًا فى القاهرة، ولا أرغب الآن سوى فى العودة إلى بلادى!.. ماذا حدث ؟!
الفتاة الدنماركية نزلت إلى مطار القاهرة وهى تُمنّى نفسها بلقاء حبيب مصرى تعرفت عليه عن طريق الإنترنت، وعدها بالحب، ومهد لها طريقًا كلاميًا بلقاء رائع فى القاهرة، قدم لها دعوة زيارة مصر واستضافتها، وحينما حضرت الفتاة طبقًا للموعد المتفق عليه، لم تجد الحبيب أو الصديق، ولم تجد من هاتفه استجابة، وحتى صفحته على الـ«فيس بوك» وجدتها مغلقة، هكذا دون اعتذار، دون توضيح، وبكل شهامة وجدعنة المصريين فعلها الشاب الظريف واختفى، وترك لمصر عبئًا ثقيلًا على أحدهم تنظيفه قبل أن يتسبب فى تشويه سمعة وطن وشعب.
قد ترى الأمر تافهًا، أو حادثًا عرضيًا يحدث كل مائة عام مرة، ويستحق تدوينه فى دفاتر الغرائب، لكنه يبقى كارثيًا على مستويين، الأول أن قصة الفتاة ستتحول إلى حدث إعلامى دنماركى وأوروبى، سيؤثر بكل تأكيد على السياحة المصرية، لأن السائح لا يهمه فى المقام الأول سوى أن يزور بلدًا يتمتع أهله بالأمانة والاحترام، أما المستوى الثانى فهو يتعلق حتمًا بتصورنا عن أنفسنا بالأساطير التى نعيش غرقى فيها، ويبدو أنها لن تأخذنا إلى الأمام أبدًا.
تبقى الفكرة العالقة فى أذهان الناس أن المصرى مواطن جدع دون تفكير، متدين بطبعه، وشهم بالفطرة.. وكثيرًا ما نجد فى العقول أفكارًا فاسدة!
شب الناس فى مصر وشابوا على شيوخ، ورجال سياسة، وكتاب، ومقدمى برامج، ومؤرخين وهم يرددون تلك الفكرة حتى جعلوا منها مقررًا واجبًا ذكره، وإن تجاهله سياسى أو تغاضى عن تكراره مذيع أو كاتب أو مثقف جاز اتهامه فى وطنيته، ونواياه تجاه مصر، وفتحوا له باب اتهامات العمالة والخيانة.
كل شىء يحدث حولك- تحرش، زنا محارم، اغتصاب، تعذيب، ظلم، واسطة، تعذيب أطفال أيتام - يخبرك بأن الفكرة فاسدة الأصل، وتعميمها مضاعفة لفساد حان وقت تطهيره.. إدراك المجتمع لفساد الأساطير التى نسجها الأولون عن العظمة والرقى والاصطفاء فى محاولة للتنصل من مسؤوليات الأخطاء والتأخر أول خطوة لمعرفة الطريق الصحيح للنجاة من شبح الانهيار.
هم يطعمونك كل حبوب التخدير الممكنة بأنك متدين، وعظيم، وجدع، وشهم، حتى ترضى وتغفل عن محاسبتهم، بينما فى صفحات الحوادث، وفى الشوارع تكمن الحقيقة كاملة.
فى الأمس مثلًا عاش المجتمع صدمة تعذيب أطفال دار أيتام مكة بالهرم، وحاول بعضهم إقناعك بأن الحادثة فردية، لكن البلاغات والأرقام تثبت أن حوالى %70 من دور رعاية الأيتام يتاجرون فى أطفالها بالتسول والتعذيب والاغتصاب، والإحصائيات تقول إن %90 من نساء مصر ضحايا تحرش، ونسب الزواج العرفى فى المدارس الابتدائى تحولت إلى ظاهرة، والرشوة والسرقة من المال العام لنا فيهما مركز متقدم على مستوى دول العالم.. ألم يحن الوقت إذن للمكاشفة؟!
انسف أساطيرك القديمة، وتخلص من مصطلحات تخديرك، وانطلق وأنت مقتنع بأنك قبل الوطن فى حاجة إلى إصلاح.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة