بدخول حرب غزة مرحلة الهدنة، يأتى سؤال حساب المكسب والخسارة فيها، فالذين يحسبونها بمقدار عدد الضحايا والخسائر المادية الأخرى سيرون أن إسرائيل هى الرابحة، فعدد الشهداء الفلسطينيين بلغ نحو 1867 بينهم 426 طفلا و245 إمرأة، وبلغ عدد الجرحى 9563، وعدد النازحين طبقا لمركز الأورو متوسطى لحق الإنسان 475 ألفا، وتم تدمير 5510 مساكن، وتضررت نحو 30 ألف وحدة سكنية.
أما على صعيد الخسائر الإسرائيلية، فسقط 64 جنديا و3 مدنيين طبقا للتقديرات الرسمية الإسرائيلية، وكلفت الحرب إسرائيل نحو مليارين و400 مليون دولار، وبحسب معهد «فان» الإسرائيلى، فإن «تل أبيب» كانت تخسر يوميا 80 مليون دولار فى هذه الحرب التى استمرت 30 يوما، وقال وزير المالية الإسرائيلى «يائير لابيد» إن الخسائر فى أول أيام سقوط الصواريخ على ممتلكات داخل إسرائيل بلغت 3 ملايين دولار، وأن نحو 417 منزلا إسرائيليا تضررت من صواريخ المقاومة الفلسطينية فى غزة، وشهدت السياحة الإسرائيلية انخفاضا دراميا وصل الى 53 فى المائة حسب ما ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت».
بالحسابات المادية لا يوجد توازن بين الطرفين، فالخسائر على الصعيد الفلسطينى أكبر بكثير، والمؤكد أن التكلفة المادية كبيرة بالنسبة لسكان غزة، وصور الضحايا والدماء التى تسيل تبعث على الأسى، لكن من قال إن أى شعب يقاوم احتلالا تكون تكلفة تضحياته ليست هكذا، من قال إن جولات الكر والفر بين المحتل والاحتلال تذهب جميعها لصالح طرف واحد، فلو تم الحساب على أن الدول المحتلة ستنال استقلالها دون تضحيات فلن تحصل على استقلالها أبدا، وتجارب التاريخ تؤكد ذلك، الجزائر مثلا فاوضت فرنسا على استقلالها عشرات السنوات، لكنها لم تحصل على استقلالها إلا بعد مقاومتها الباسلة والتى تصاعدت فى آخر عشر سنوات من الاحتلال الفرنسى الذى استمر 130 عاما، وقدمت أكثر من مليون شهيد فى مقاومتها، وأصبح هذا الرقم أيقونة تاريخ الجزائر.
تجارب التاريخ كلها فى مقاومة المحتل هى تقريبا من نفس درس الجزائر، فعلتها فيتنام ضد أمريكا حتى نالت استقلالها، وفعلتها كل دول العالم الثالث من أجل تحررها ورفع راية استقلالها، ولو أخذنا الدرس من فلسطين باعتبارها جرح العرب النازف، سنجدها تدفع الشهداء كل يوم، منذ ثورتها عام 1936، وحرب 1948، ومجازر دير ياسين وكفر قاسم فى خمسينيات القرن الماضى، وتل الزعتر عام 1978، وصبرا وشاتيلا فى مطلع الثمانينيات، والحاصل أننا أمام شعب قدم حتى الآن عشرات الآلاف من الشهداء، وخرج ملايين منه نازحين بفعل الوحشية الصهيونية، وعجز المجتمع الدولى أمامها.
ينزف الفلسطينيون كل يوم من أجل حريتهم، لا يقفون أمام حديث التسويات المخيبة، وحسابات الأنظمة العربية التى تبيعهم، وعلى هذا الأساس يقاومون من أجل حريتهم وكرامتهم، وليست الحرب الأخيرة استثناء من هذا.
صحيح أن الظرف الدولى والإقليمى غير مواتٍ، ولا ينتصر لنبض القضية الفلسطينية فى عمومها، لكن لو سلم الفلسطينيون بهذه المعادلة، فلن يحصلون على شىء.
ما حدث هو جولة جديدة من العربدة الإسرائيلية، لو حسبناها بمنطق إرادة شعب يدفع شهداء من أجل حريته التى سيحصل عليها يوما ما، سنقول رغم كل الآلام عاش نضال الشعب الفلسطينى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
عاش كل قلم حر ينصف المظلوم
شكرا للكاتب القومي العربي الناصري ..
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام عبدالعزيز
انت نحترم