تحدثت عن «الدولة – الطائفة» أى حين تتحول الدولة كأداة لطائفة من الأمة فى مواجهة البقية، وحينها يتجه المجتمع إلى التفكيك، أشرنا إلى الدولة فى العراق فى ظل سيطرة المالكى وائتلافه، كما أشرنا إلى الدولة فى سوريا. واليوم أشير إلى الحركة الاجتماعية حين تتحول إلى الطائفة، والحركة الاجتماعية نعنى بها قوة اجتماعية منظمة تعمل لتغيير النظام السياسى إما بشكل جذرى أو بشكل إصلاحى أو أنها قد تستخدم السلم، كما تستخدم القوة والعنف.
ثورة 25 يناير كانت تعبيرا عن حركة اجتماعية قادها طليعة من الشباب الحالم نحو التغيير الجذرى لنظام مستبد. هذه الحركة الاجتماعية بسرعة انتشرت دعوتها فى كل قطاعات المجتمع، ونالت الفرصة الثقافية التى جعلت كل المجتمع يلتف وراءها، كما أن مطالبها لم تكن تخص جماعة ولا فئة ولا طائفة ولكنها تعبر عن مطالب المجتمع كله، خرجت الملايين خلفها حتى اضطر الطاغية أن يغادر فى مشهد ثورى بامتياز، كان الناس فى التحرير يقولون «افع رأسك فوق أنت مصرى»، ولم يرفع أحد منهم شعار جماعته ولا طائفته ولا تنظيمه. بعد هدوء الثورة بدأنا ندخل للقوى المنظمة التى لديها برنامجها الخاص ومطامحها الخاصة ومطامعها كذلك، ولم يكن ذلك خاصا بتيار واحد وإنما كل التيارات كانت لها تلك المطامع والمطامح. بيد إن أكثر تلك القوى تنظيما كانت جماعة الإخوان المسلمين التى حولت الحركة الاجتماعية إلى طائفة من دون بقية المصريين تعمل وفق أجندة تنظيمها، وسرعان ما دفعتها مطامحها إلى لقاء اللواء عمر سليمان قبل أن تكتمل للثورة أهدافها، فقد كان يراودها أمل الخروج من الحظر إلى العلانية والسماح لها بحزب سياسى ووجود سياسى علنى. وبتفويض الطاغية للمجلس العسكرى السلطة فإن المجلس العسكرى القادم الجديد على عالم السياسة كان بحاجة إلى قوة مدنية منظمة تضبط له الفوران السياسى فى المجتمع وتنقل المجتمع من حالة الثورة إلى حالة الدولة، هنا ذهب الإخوان بتحالف مع المجلس العسكرى لترتيب أوضاع الدولة، كان الهدف هنا هو السيطرة على الحياة السياسية والخروج من عالم الحظر كما أشرنا إلى عالم العلانية، كان تنظيم الإخوان يتحرك وفق أجندته هو التى وضعها مكتب إرشاده ومكاتبه الإدارية ومجلس شوراها بدون توافق عليها من بقية الشعب والأمة المصرية. فكرة الذوبان بالأهداف داخل المجتمع المصرى وقواه الحية كلها، وتحقيق الفرصة الثقافية بإقناع الناس بتلك الأهداف لم يكن متحققا، ستقول لى ولكن الناس صوتوا لهم فى أول برلمان بعد الثورة كان ذلك بسبب منحهم الفرصة وحسن الظن بأنهم وهم رجال الله وأوليائه سيحسنون القيام على تحقيق مطالب غالبية الفقراء والمهمشين. أصرت الجماعة وفق أجندتها أن ترشح رئيسا منها، ورفضت أن يكون الرئيس من خارجها، كان هناك إمكانية لعبدالمنعم أبوالفتوح وهو من كوادرها، لكنها أبت إلا أن يكون باختيارها هى، وحاول مخلصون أن يجمعوا مرشحى الثورة على قلب رجل واحد منهم فرفض المترشحون لأن الكل كان يعبر عن تنظيمه وجماعته، لم يكن الإخوان وحدهم ولكن الجميع.
الحركة الاجتماعية تتحول إلى طائفة حين يكون لها هى أجندة مختلفة عن أجندة بقية المجتمع، ويتحول أعضاؤها إلى قوة تنظيمية يمكن أن تهدد الوجود الكيانى للمجموع، فاصفح الصفح الجميل، واصبر الصبر الجميل. فحين تواجه امتحانا يضر تنظيمك ويبقى على وحدة المجموع الباقى، وتنتصر للمجموع فأنت لست حركة طائفية، ولكن حين تقود المجتمع كله إلى حرب واستقطاب من أجل الانتصار لأجندة جماعاتك فأنت تؤسس للطائفية، لن تنتصر المنطلقات الطائفية بعد ثورة يناير التى كشفت عن أن الحركات الاجتماعية التى تعبر عن الأمة كلها هى الباقية، وحين يكون خيارها تقسيم مجتمعها طائفيا أو الإغضاء الجميل من أجل بقائه موحدا فإن الانتصار للوحدة والجماعة ونبذ الفتنة سيكون خيارها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة