وماذا بعد إخلاء منطقة وسط القاهرة من الباعة الجائلين؟ هل المسألة تتوقف على أعمال النظافة والتخطيط والإنارة لشوارع القاهرة الخديوية، أم أن الأمر يستدعى البدء فى تنفيذ خطة شاملة للحفاظ على « باريس الشرق» التى حلم بها الخديوى إسماعيل للحفاظ على التراث المعمارى المميز لعمارات وسط البلد، والتراث الإنسانى الذى يجسد ثراء المدينة. الدكتور كمال الجنزورى أثناء توليه الحكومة فى التسعينيات كان صاحب تجربة مهمة فى تطوير بعض شوارع وسط القاهرة مثل منطقة البورصة والألفى بإغلاقها أمام السيارات وحركة المرور وتحويلها إلى منطقة ترفيهية جاذبة للسياحة ومتنفس لأهالى المدينة وللحفاظ عليها من التشويه والتلوث، وكانت تجربة مهمة لاقت الاستحسان واعتبرناها نواة حقيقية لاستكمال باقى التجربة بإغلاق جميع شوارع القاهرة الخديوية من شارع 26 يوليو حتى ميدان التحرير بشوارع طلعت حرب وشريف وقصر النيل وصبرى أبوعلم وعماد الدين. وفى ظنى أن تجربة الدكتور الجنزورى مازالت قابلة للتنفيذ خاصة بعد الإعلان عن إنشاء العاصمة الإدارية ونقل المؤسسات والمصالح الحكومية من وسط القاهرة إلى العاصمة الجديدة، وتكرار ما حدث مع القاهرة الفاطمية ليصبح لدينا قاهرتان شاهدتان على عظمة وإبهار المصريين فى التاريخ الإنسانى مع إنشاء عاصمة العالم الإسلامى، القاهرة الفاطمية والقاهرة الخديوية. حكومة المهندس إبراهيم محلب عليها الإسراع للحفاظ على بنايات وسط القاهرة العريقة والتاريخية من الإهمال والفوضى والتعدى غير القانونى عليها وإعادة رونقها وبهائها، حتى لا يتهمنا العالم بأننا شعب لا نقدر تاريحنا وتراثنا ولا نستطيع الحفاظ عليه مثلما فعلت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإنجلترا بإغلاق شوارع وسط عواصمها وتحويلها إلى منطقة تراث إنسانى وجذب سياحى أمام القادمين لزيارتها، هو ما نستطيع القيام به مع وسط القاهرة الخديوية والاستفادة من الثروة المعمارية النادرة التى تركها لنا الخديوى إسماعيل عندما بناها فى عام 1863 وأدرجتها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمى.
لدينا بنايات فى وسط القاهرة ليس لها مثيل فى العالم تتميز بطرازها المعمارى الفرنسى واليونانى والإيطالى والإنجليزى وتعتبر متاحف فنية نادرة مثل «عمارة الإيموبيليا»، و«عمارات ميدان طلعت حرب»، و«عمارة ميدان مصطفى كامل»، وباقى «العمارات الخديوية». هذا التراث يدعونا للمحافظة عليه واستكمال حلم الخديوى إسماعيل فى جعل القاهرة عاصمة للشرق كله، وإحياء مشروع الدكتور الجنزورى.