ناجح إبراهيم

د. سليم العوا.. موسوعة علمية أضاعتها الانتخابات الرئاسية

الخميس، 11 سبتمبر 2014 06:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت ومازلت تلميذًا فى مدرسة أ. د. سليم العوا، فقد تعلمت منه الكثير والكثير، وكنت أراه الأجدر والأفضل بين كل من ترشحوا للرئاسة فى انتخابات 2013، بل إننى أزعم أنه لو كان مكان د. محمد مرسى ما أريقت نقطة دم واحدة، ولا دخل إسلامى واحد السجن، فقد كانت علاقته جيدة بالجميع قبل الانتخابات وبعدها.


ولولا أن الحركة الإسلامية المصرية، وعلى رأسها الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية والوسط وغيرهم، غمطوا حق هذا الرجل قبل الثورة وبعدها، وفى أثناء الانتخابات الرئاسية وبعدها، لكان للدكتور سليم العوا شأن آخر، فقد خذله الجميع فى الانتخابات، وأولهم الإسلاميون، وفضلوا عليه من هم أقل منه علمًا ووعيًا وإدراكًا وفقهًا بالدين والواقع والسياسة، لنقع فيما نحن فيه الآن من محن وإحن لا نهاية لها.
كل ذلك رغم أن د. سليم العوا لم يتخاذل يومًا عن نصرة أى مظلوم أو مقهور أو مسجون أو مطارد من الحركة الإسلامية، حتى وإن اختلف مع موقفه السياسى أو الفكرى، وإن كان معارضًا تمامًا لما قام به هذا الرجل، فقد ترافع فى قضايا كثيرة للإسلاميين دون أجر أو بأجور زهيدة لا تتلاءم مع مكانته، ووقف إلى جوارهم كثيرًا، فلما حانت ساعة الجد وطلب منهم مساعدته فى انتخابات الرئاسة تخلوا عنه جميعًا ولم يعطه أحد صوته، حتى تلاميذه وحواريوه فى حزب الوسط كانوا أول من تركوه وهجروه إلى من هم أقل منه فى كل شىء، وإلى الذين كانوا سببًا من أسباب الخراب والدمار والشقاق والخلاف الذى تعيشه مصر الآن.. ولو وحد الإسلاميون جهودهم وراء هذا الرجل، أو اختاروه نائبًا للدكتور منصور حسن الذى وافقت عليه كل الأطراف، بما فيها المجلس العسكرى وقتها، لما كانت هناك دماء، ولا ثارات، ولا حرائق عمت مصر كلها وأحرقت النفوس قبل أن تحرق البنيان، وزرعت الأحقاد والكراهية فى القلوب، والله وحده يعلم متى ستختفى هذه الأحقاد!، ولما ضاعت الحركة الإسلامية بدعوتها وأحزابها وتواجدها الاجتماعى والسياسى.


ورغم تخلى الجميع عن الدكتور سليم العوا لكنه لم يتخل عن الذين تخلوا عنه وخذلوه يوم حاجتهم إليه.. لقد كان نموذجًا حضاريًا جيدًا للإسلام الوسطى الحضارى الذى يصلح لتصديره للشباب المسلم فى الداخل والخارج، وغير المسلمين فى كل مكان بدلاً من الخطابات البائسة التى نسمعها هذه الأيام من الجماعات التكفيرية، مثل داعش، وأنصار بيت المقدس، وأنصار الشريعة، وأجناد مصر، و.. و.. التى قدمت أسوأ صورة للإسلام.


لقد ساهمت قوى إسلامية كثيرة فى تحطيم د. سليم العوا خلال الانتخابات الرئاسية، بعضها لهوى فى نفسه، وبعضها لقصور فى فهمه.. فأكثر السلفيين، و«حازمون»، ومن سلك مسلكهم تنادوا بينهم فى أسوأ حالة من حالات الكذب والبهتان والتقليد الأعمى لأى شائعة كاذبة أن د. سليم العوا سيدخل الشيعة إلى مصر، وكأن مصر وكالة بلا بواب، وبعضهم تجاوز وكذب ليشيع عنه أنه شيعى المذهب، ناسين أن د. سليم العوا من أكثر العلماء دفاعًا عن السنة والصحابة، وناسين أن والده كان سلفيًا بطابع حصرى حضارى رائع.. وأنه تربى على منهاج وطريقة السنة والجماعة عقيدة وفكرًا وسلوكًا، لكنه كان يرى أن وجود الشيعة فى بلاد المسلمين حولنا واقع لا يمكن إنكاره، أو تجاوز، وأن الحوار معهم ومع إيران والتعامل معهم أفضل من التعاون والحوار مع أمريكا وأوروبا الذين لا تريد حكوماتهم الخير للعرب وللمسلمين، لكنها تريد مصلحة إسرائيل فى المقام الأول وتقدمها على كل شىء.. وكان يرى أنه على مصر أن تتعامل مع كل دول العالم طبقًا لمصالحها الاستراتيجية، وأولها الدول الإقليمية الكبرى، مثل إيران وتركيا.


لقد كانت الانتخابات الرئاسية المصرية 2013 نموذجًا عجيبًا وغريبًا دلّ على سطحية كثير من الشباب المتدين الذى كان يؤيد تأييدًا كاسحًا لشاب إسلامى لا يملك خبرات، ولا تجربة، ولا لغات، ولا شهادات، ويملك فقط دغدغة عواطف الشباب بكلمات عامة يغيرها بين الحين والآخر، حتى كاد أن يصبح رئيسًا لمصر بين عشية وضحاها، تاركين فى المقابل رجلاً مثل د. سليم العوا لم ينل شيئًا من أصوات هذا الشباب المتدين رغم فقهه، وسعة علمه وتجاربه وخبراته، وتاريخه الكبير فى العالم الإسلامى كله، وجمعه بين الحضارة الإسلامية والغربية جمعًا رائعًا، وجمعه بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعًا لا يخل بأحدهما، وجمعه بين الفقه الإسلامى القديم والحديث بطريقة مبهرة ورائعة، ورغم أسفاره العلمية لكل دول العالم تقريبًا، ومشاركته فى مصالحات إسلامية دولية ومحلية.


لقد حضرت مناقشة د. سليم العوا لرسالة الدكتوراة التى أعدها أخى وصديقى الباحث المتميز د. حسن عبد الغنى شنن، والتى حصل بها على رسالة الدكتوراة بامتياز مع مرتبة الشرف منذ أيام، فهالنى تدفق علم د. سليم العوا الذى حرمت من سماعه منذ أكثر من عام ونصف العام، فقلت فى نفسى: د. سليم موسوعة متحركة، فإذا تحدث فى الحديث ظننت أنه من أكابر المحدثين، وإذا تحدث فى الأصول كأنك أمام أصولى مخضرم، وإذا تحدث فى القانون كأنك أمام السنهورى باشا وأشباهه، فالعلم يتدفق من عقله إلى لسانه فى يسر وسهولة، وكلما استمعت إلى أستاذى د. سليم العوا كأن العلم ينساب انسيابًا منه دون تكلف.
وكم كنت أتمنى ألا يدخل د. سليم العوا مضمار السياسة، وكم كنت أتمنى ألا يدخل انتخابات الرئاسة، وأن يظل دومًا مفكرًا وعالمًا إسلاميًا رصينًا بدلاً من حرماننا منه بهذه الطريقة، وكأننا لا أرضًا قطعنا ولا ظهرًا أبقينا.
لقد كانت الانتخابات الرئاسية هى البداية لانزواء د. سليم العوا على نفسه، وانصرافه عن تعليم الناس العلم، وإرشادهم إلى الصواب، والمشاركة فى صد موجات التغريب من جهة، ومحاربة الأفكار المتطرفة والتكفيرية من جهة أخرى، فقد كان العوا يحارب على كل الجبهات، ويصد عن الإسلام الموجات تلو الموجات.

هكذا انزوى د. سليم العوا تحت ضربات مطرقة السياسة من جهة، وسندان الذين تنكروا لفضله وعلمه ومكانته من جهة أخرى، فى وقت كان الشباب المتدين الحائر والهائج أحوج ما يكون إلى علمه ووسطيته واتزانه وموازاته بين أهمية الحفاظ على الدولة من جهة، والمحافظة على الحريات العامة من جهة أخرى، والاهتمام بفقه الأولويات فى تقديم الحفاظ على الدولة كأصل على الحفاظ على الجماعات والأحزاب كفرع، مع عدم ظلم هذه الجماعات أو هضمها حقوقها.
لقد زادتنى تجربة د. سليم العوا يقينًا فوق يقينى بأنه ينبغى على العلماء والدعاة والمفكرين أن يجتنبوا المناصب السياسية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وإذا عرضت عليهم ينبغى ألا يقبلوها.. فكم قتلت هذه المناصب من علماء عظام وكبار فى تخصصاتهم!

ولك أن تتصور لو أن أمثال د. فتحى سرور، أو د. على الدين هلال، أو د. حسام بدراوى، أو د. محمد غنيم، أو د. محمد أبو الغار نأوا بأنفسهم عن ميادين السياسة والحزبية والمناصب، ومعهم الكثير والكثير من أكابر العلماء ورؤساء الجامعات الذين انخرطوا فى نشاطات حزبية، سواء فى الحزب الوطنى، أو فى التيارات السياسية الإسلامية، أو فى المناصب الحكومية، فأوردتهم المهالك وعصفت بهم إلى المجهول.
ولو بقى هؤلاء فى محراب العلم، واستمروا كسدنة للعلم لا يبارحونه ولا يبرحهم لكانوا اليوم سادة للناس وأئمة فى العلم، ولكن السياسة والحزبية والمناصب السياسية والحزبية تلوث العلماء، وتهدر قدرهم، وتقلل من مكانتهم وتصرفهم عن أشرف رسالة فى الكون، فالعلماء ورثة الأنبياء.

وفى المقال القادم سنبدأ قراءة متأنية فى فكر أستاذى الدكتور سليم العوا.. فإلى لقاء قريب بإذن الله.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة