شعور بالفزع ينتاب الكثيرين عندما تتردد أمامهم كلمة "الجذام"، وهو رد الفعل الذى لم يتغير منذ ظهر المرض فى العام 600 قبل الميلاد، حين كان مريض الجذام دائمًا ما يواجه بالرفض والنبذ من أسرته ومجتمعه، ربما بسبب مضاعفات المرض التى تسبب تشوهات بالوجه والجسم، وهو ما يثير خوف الناس من العدوى خاصة لجهلهم بطبيعة المرض.
ولذلك تم إنشاء مستعمرات يتم فيها علاج مرضى الجذام، ومن بينها مستعمرة الجذام، التى أنشأتها وزارة الصحة فى عام 1932 فى أبو زعبل، والتى تبعد عن محافظة القاهرة 5 كيلو مترات ويحيطها مزرعة جبلية وعلى بعد مسافات قليلة من المستعمرة يوجد العنبر الرابع للمستعمرة، وهو عزبة الشهيد عبد المنعم رياض التى كان يطلق عليها فى السابق "عزبة الصفيح".
ضحكات أطفال وشوارع تملؤها أطفال يلعبون ويعيشون حياتهم الطبيعية، ومبان خرسانية داخلها أشخاص يملؤهم الحزن والألم، بسبب نبذ المجتمع والأهل لهم، مشاعر ومشاهد متباينة تختصر "عزبة الشهيد عبد المنعم رياض"، التى يعيش فيها مرضى الجذام مصدر رزقهم الوحيد "معاش السادات" وتبرعات الجمعيات الخيرية، مثل "الأورمان".
فى البداية كانت العزبة عبارة عن مكان بيوت عشوائية أنشأها المرضى، الذين جاءوا من أماكن بعيدة ليكونوا بالقرب من المستعمرة لاستكمال علاجهم، خاصة أنهم منبوذون من ذويهم وتزاوجوا مع بعضهم البعض وعاشوا فى هذه العزبة، والآن أصبحت عزبة الصفيح ذات مبان خرسانية يعيش بها أسر كاملة ولا يوجد بينهم أى خوف، حيث يتعايش بها الأطفال والشباب وجميع الأعمار مع ذويهم، الذين يعانون من المرض.
وتحكى "الحاجة عواطف": "أنا عندى 60 سنة، من المنوفية، بدأت أعراض المرض تظهر عليا وأنا فى ثانية ابتدائى وكانت على شكل حبوب بيضاء منتشرة فى الجسم تشبه حبوب العدس، وأهلى جابونى مستعمرة الجذام فى أبو زعبل وسابوني، وفى المستعمرة وأنا عندى 17 عاما اتعرفت على مريض جذام فى قسم الرجال، كنا بنساعد بعض فى مواجهة المرض، وبعدها اشتغل خفير على المستعمرة واتجوزنا وعشنا فى عزبة عبد المنعم رياض لاستكمال العلاج قرب المستعمرة وأنجبنا ولدين وبنتا".
وأشارت عواطف إلى أن معاملة الراهبات الأجانب لهم كانت أفضل كثيرا من معاملة الممرضات المصريات، حتى أن الراهبات الأجنبيات كن يساعدونهن على الاغتسال ويضمدن جروحهن.
"أنا جوزى طلقنى لما اتصبت بالجذام وكنت خلفت منه ولدا وبنتا"، رد فعل صادم لا يفارق ذاكرة "سعدية صالح" رغم بلوغها السبعين من العمر، وتقول "وأنا عندى 20 سنة كنت متجوزة وعندى بنت وولد وجالى شلل فى رجلى الشمال، ولم أستطع المشي، فذهبت لمستشفى المنيا بالقرب من قريتى وتم تحويلى على مستعمرة الجذام فى أبو زعبل، ومن هنا بدأت حكايتى مرة أخرى بعدما تركت بلدتى وأولادى وطلقنى زوجي، تزوجت مرة أخرى من أحد المرضى المصابين بالجذام فى قسم الرجال بالمستعمرة ثم عشنا فى عزبة عبد المنعم رياض بالقرب من المستعمرة وأنجبت سمية، ونعيش على معاش السادات".
وفى نفس السياق تحكى أم عبد المسيح حكايتها وتقول "جئت من المنيا وأنا أبلغ من العمر 20 عاما حين لاحظت أن جلدى يتشوه عند التعرض للحرارة، فذهبت لمستشفى وتم تحويلى لمستعمرة الجذام، وتم علاجى وهناك تعرفت على أحد المرضى بمستعمرة الرجال وتزوجت منه وأنجبت 5 أولاد لم يصابوا بالمرض، وعشنا بعزبة عبد المنعم رياض العنبر الرابع لاستكمال علاجنا".
وأخيرا تتحدث "أم محمد" وهى تحمل صورة زفافها قائلة: "تزوجت ولم أكن مصابة بالجذام وأنجبت ولدين، وبعد زواجى أصبت بالجذام، ولكن لم تستقر حياتى وأعيش فى مستعمرة الجذام منبوذة من الأهل والمجتمع خوفًا من شكلى الذى شوهه المرض".
الحاجة عواطف التى تشوه جلدها عند التعرض للنار .
الأطفال يلعبون بشوارع عزبة الشهيد عبد المنعم رياض ولا يخافون من مرضى الجذام
سعدية التى طلقها زوجها بعد أن علم أنها مصابة بالجذام .
موضوعات متعلقة..
عمليات التجميل حل مناسب للمتعافين من الجذام والمصابين بتشوهات خلقية
بالصور.. أهالى "العنبر 4 لمستعمرة الجذام" بأبى زعبل يحاربون الحزن والعزل مع المرض.. ومعاش السادات والتبرعات مصدر رزقهم الوحيد.. و"الحاجة عواطف": الراهبات الأجانب عاملونا أحسن من الممرضات المصريات
السبت، 13 سبتمبر 2014 07:40 م
الأطفال يلعبون دون خوف من المرض
كتبت آلاء الفقى - تصوير حسن محمد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة