استقبل طه حسين عتاب الوزير التركى بمودة وصدر رحب، وقال له إن بلدنا قبل الغزو العثمانى كان يتمتع باستقلال تام سمح له بإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية، بل وعلمية مع أوروبا المتوسطية، وكانت حضارة بلدنا مزدهرة، وتولت القاهرة فى العالم الإسلامى دور الاسكندرية فى العالم الهلنستى، وكانت جامعة الأزهر لدينا والمدارس التى أنشأها السلاطين المماليك فى كل مكان تقريبا تلعب دورا يشبه إلى حد كبير دور متحف البطالمة، والغريب فى الأمر «يؤكد صاحب الفتنة الكبرى» أن نهضة علمية وأدبية وفنية فى مصر خلال القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر كانت موافقة للنهضة الأوروبية الأولى.
وقال له أرجوكم أن تنظروا إلى آثار القاهرة لتلك الفترة وأن تروا أن مصر فى تلك الفترة على وجه التحديد أعطت العالم الإسلامى مصنفاتها الإنسكليوبيدية الرائعة التى استطاعت، بجمعها حصيلة المعرفة الإنسانية فى هذا الفرع أو ذاك من فروع الحياة الفكرية،أن تصون تراث الحضارة العربية، ونصحه بقراءة القلقشندى، والنويرى، والعمرى، والمقريزى، لكى يعرف أن مصر فى ظل السلاطين المماليك صانت ونقلت إلى أجيال المسلمين خلاصة ما أنتجه العقل الإسلامى خلال سبعة أو ثمانية قرون من التاريخ، يضاف إلى ذلك أن هناك ظاهرة ثابتة فى تاريخ مصر، وهى أن من المستحيل بالنسبة لها أن تنتج شيئا مهما فى حياة العقل إذا لم تتمتع باستقلال فعلى بدرجة أو بأخرى، وهى عندما تخضع لسيطرة أجنبية تصاب بالإنهاك فى كفاحها من أجل الحرية. وهو كفاح يستنفد طاقتها بصفة تامة تقريبا.