هذا العنوان ليس من باب المبالغة، أو السخرية من وضع قائم بالفعل، ولكنه قد يكون لسان حال الكثيرين من مبدعى السينما الفلسطينية، من مخرجين وممثلين، الذين نطلق عليهم عرب 48، حيث يرى بعضهم أن رفض المهرجانات والفعاليات العربية لمشاركتهم وتواجدهم، ضمن المشهد الثقافى العربى، هو أكثر من الإقصاء لهم، بل هو نوع من الذبح، لهؤلاء المبدعين المهمومين، بالوطن، والذين يفتشون عن هويتهم ويحاولون الحفاظ عليها رغم وطأة الاحتلال، ويرون أن العالم العربى وجزءا كبيرا من مثقفيه، ومؤسساته التنويرية يعاقبونهم على عدم تفريطهم فى الأرض، وبقائهم، داخل الوطن المسلوب، فى محاولة للتأكيد على أن هذا الوطن ملكهم، وأن العدو مغتصب وسيظل ذلك رغم كل محاولات طمس الهوية، أسماء كثيرة لمبدعين فلسطينيين حملوا الباسبور الإسرائيلى رغما عنهم، ويدفعون الضرائب للحكومة الإسرائيلية مرغمين على ذلك ومن هذه الأسماء إيليا سليمان، محمد بكرى، هانى أبو أسعد، توفيق أبو وائل، نسرين فاعور وغيرهم كثيرون، وباتت إنتاجاتهم المميزة تعرض فى كل أنحاء العالم، وبعضهم حصد جوائز من أكبر المهرجانات، مثل إيليا وهانى، وقدما إبداعا يدين ذلك العدو المحتل، ويؤكد على الهوية الفلسطينية، ويصرخ أمام صمت العالم، وعجز العرب، وأصبحا يرفعان لافتات المقاومة، وكان تواجدهما العالمى هذا من أكثر الأشياء التى تقلق العدو الصهيونى، والذى صار يخشى من هانى أبو أسعد وغيره من المبدعين الحقيقيين لأن الإبداع صوته أعلى، وأبقى من صوت المدافع، وجرافات العدو.
ورغم تلك التحولات إلا أن الموقف العربى ظل جامدا، لم يحاول أحد أن يحرك ساكنا، وتساوى من يدعم القضية ويدافع عن حقه ووطنه، مثل الذى باع كل شىء، نعم صدر قانون من اتحاد النقابات الفنية، واتحاد المنتجين العرب بضرورة مقاطعة كل من يحمل جواز السفر الإسرائيلى، وكان ذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكان التطبيع مع الكيان الصهيونى خطا أحمر، ولكن تغير الظرف السياسى الآن، وأصبح علينا أن نميز ونعمل على خلخلة وتغيير القوانين ووضع ضوابط جديدة، نفرق بها بين مبدع فلسطينى ينتمى لعرب 48 ويحمل الهم الفلسطينى إلى العالم، وآخر لا يعنيه، سوى أن يحمل هوية أيا كانت، وهى الدعوة التى أطلقها الفنان الكبير نور الشريف فى ظل وجود المخرج الفلسطينى ابن الناصرة هانى أبوأسعد، صاحب الجولدن جلوب، والمرشح للأوسكار والحاصل على جائزة من مهرجان كان، الذى يصر دائماً أن يقدم نفسه بالمخرج الفلسطينى، والفيلم الفلسطينى، رغم الباسبور الذى يحمله مرغما.
وللأسف يبدو أن مهرجان الإسكندرية لسينما البحر المتوسط، تراجع فى اللحظة الأخيرة، عن عرض فيلم «فيلا توما» وهو الفيلم الذى فجر تلك القضية المسكوت عنها من جديد، نظرا لحصول مخرجته سها عراف على دعم من صندوق التمويل الإسرائيلى، ورغم أنها رفضت وضع أن الفيلم إنتاج إسرائيلى على تترات الفيلم، وتم رفع قضية عليها، وعرض الفيلم فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى دون ذكر اسم الدولة المنتجة، هذا الموقف الملتبس والمثير للجدل أكثر موقف يعبر عن القضية الفلسطينية، وقهر أصحاب الأرض بغض النظر عن قيمة الفيلم الفنية.
وكان على إدارة مهرجان الإسكندرية، أن تحمل زمام المبادرة، وتملك الشجاعة وتعرض الفيلم المدرج فى جدول العروض، دون خوف فى ظل الغطاء الذى قدمه نجم ناصرى الانتماء وقومى وعربى مثل نور الشريف لتبدأ الخلخلة الواجب حدوثها، وإذا كانت الحجة أن نسخة الفيلم لم تصل وأن المخرجة رفضت عرض الفيلم دى فى دى.
يصبح السؤال كيف لفيلم أعلن عن مشاركته، وأدرج فى جدول العرض وحددت له ندوة وحضرت بطلته والنسخة نفسها لم تحضر؟ وأعتقد أنه يكفينا تأجيل معاركنا، أو تركها للآخرين أو للزمن فالرهان دوما على من يملكون المبادرة ويحاولون التغيير فهل يفعلها اتحاد النقابات المهنية ونقابة السينمائيين وغيرها من الاتحادات العربية، وليكن هذا أقل دعم لهؤلاء الذين يناضلون بالكلمة والصورة.