يتربى الفرد الإخوانى داخل مزرعة الأسرة أو الشعبة الإخوانية على قاعدة تقول بأن قيادات الجماعة ترى المستقبل بشكل أفضل.
استنادا للقاعدة السابقة تبدو فرصة الاعتراض أو التحفظ أو المراجعة من جانب شباب على قرارات القيادات وتصرفهم شبه معدومة أو محرمة، وتم تلخيصها سينمائيا فى الجملة الشهيرة لا تناقش ولا تجادل يا أخ على.
السنوات الماضية وتحديدا فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير اهتزت هذه القاعدة واهتز معها يقين شباب الجماعة فى قدرة قياداتهم على رؤية المستقبل بشكل أفضل، وبات واضحا للجميع أن قيادات الإخوان لا ترى أصلا أبعد من موضع قدميها.
نماذج كثيرة يمكنك استخدامها للتدليل على ما سبق ربما يكون أبرزها رؤية وتصور الجماعة الهزلى لمظاهرات 30 يونيو، ولكن تبقى قصة طرد الإخوان نموذجا أكثر اكتمالا للتدليل على فشل وغباء تنظيم الإخوان وافتقاده للكوادر والكفاءات البشرية القادرة على قراءة الواقع السياسى والتعاطى معه باحتراف.
فى شهر أبريل الماضى كان الصغير قبل الكبير فى مصر والوطن العربى يتكلم عن استعداد قطرى لترحيل قيادات الإخوان من أرضها، إلا تيار سياسى واحد هو الإخوان كان يرى ذلك كذبا وشائعات وسوء قراءة للواقع وطبيعة العلاقة بين قطر والإخوان، وتم توثيق تلك الرؤية الإخوانية فى تقرير نشرته شبكة رصد بتاريخ 21 إبريل تنفى فيه وجود أى نية قطرية لترحيل قيادات الإخوان، واستند التقرير إلى آراء قيادات الإخوان الذين أكدوا أن قطر لم ولن تفعلها وترحل الإخوان عن أرضها وكل ما ينشر حول ذلك عبارة عن شائعات تبثها فضائيات ما أسموه بالانقلاب.
كل هذه الثقة الإخوانية تجلت خيبتها يوم 13 سبتمبر فى نفس المكان ونفس الموقع، حينما نشرت شبكة رصد الإخوانية تقريرا عن ترحيل 7 قيادات إخوانية من قطر، ووصف التقرير المكتوب بطعم الهزيمة أن ما حدث كان مفاجأة لقيادات الإخوان، وأنهم لا يعرفون سر ما حدث وليس لديهم أى موقف حتى الآن بسبب صدمة القرار.
هكذا بكل بساطة جماعة كانت تريد أن تحكم مصر وتداعب مشاعر المسلمين بأستاذية العالم، لا تملك كادرا واحدا قادرا على قراءة واقع جماعته أو طبيعة الضغوط الخليجية على قطر، وتتفاجأ جماعة بأكملها من قرار نشرته كل الصحف قبل حدوثه بشهور، ومن بطن هذا الارتباك الإخوانى يطل سؤال: كيف يطمع تيار خائب إلى هذا الحد فى حكم دولة بحجم مصر؟!.
- مفاجأة الإخوان وصدمتهم من قرار الترحيل المتوقع والمعروف سلفا لا يجب أن يمنعنا نحن من قراءة الواقع بعيدا عن التهليل والتضخيم، وأولى خطوات النظر إلى الواقع دون تجميل معرفة أن قرار قطر بترحيل قيادات الإخوان لا يعنى أبدا أن الدوحة غيرت موقفها جذريا بخصوص تقديم الدعم لجماعة الإخوان أو الميليشيات المسلحة فى ليبيا وغيرها، قطر قررت فقط أن تتخذ قرارات لتلطيف الأجواء الخليجية والهروب من فخ العزلة الخليجية بعد ما بدا من إصرار سعودى وإماراتى على تنفيذ ذلك.
كل ما فعلته الدوحة بخصوص ترحيل قيادات الإخوان أو ما ستفعله فى المستقبل مجرد انحناءة فى مواجهة ريح عاتية، فلا قطر ستكف عن دعم الإخوان ولا الإخوان بأكملهم سيخرجون من الدوحة، بدليل أن قرار ترحيل القيادات السبعة لم يتم إلا بعد تنسيق كامل مع تركيا، وتم تأجيل تنفيذ القرار لما بعد استقرار أردوغان على كرسى الرئاسة لكى يكون جاهزا لاستقبال من يتم ترحيلهم من قطر.. ومن هنا يبرز سؤال، هل تركيا هى وجهة الإخوان الوحيدة بعد الدوحة؟!
المعلومات تضع بريطانيا وماليزيا بجوار تركيا كمقاصد للإخوان المطرودين من الدوحة، ولكل وجهة ثمن وآثار جانبية، ففى الحالة التركية التى تبدو أقرب للإخوان بحكم وجود عدد من شباب الجماعة وقياداتها الوسيطة هناك، بالإضافة إلى وجود ثلاث محطات فضائية إخوانية تبث من هناك سيكون الأمر مريحا وسهلا للإخوان فى ظل الرعاية الرئاسية والحماية الرسمية من النظام التركى، ولكن هذا يعنى بالضرورة اشتعال الحرب المعلنة بين القاهرة وأنقرة بصورة أكثر قسوة مما كانت عليه فى المرحلة القادمة.. فهل مصر مستعدة؟!
بريطانيا هى الأخرى تبدو وجهة متوقعة لعدد من قيادات الإخوان إذا وضعنا فى الحسبان تاريخ لندن كمأوى لعدد من قيادات تيار الإسلامى السياسى، وإذا أضفنا إلى ذلك تلكأ بريطانيا فى اتخاذ أى قرار بخصوص إعلان الإخوان جماعة إرهابية ومن قبل كل ذلك وجود مكتب للإخوان فى لندن منذ سنوات عديدة.
بخلاف تركيا وبريطانيا تبدو ماليزيا الخيار الآمن لقيادات الجماعة، خاصة أنها واحدة من مراكز التنظيم الدولى المهمة ويسيطر الإخوان على ولايتين من الولايات الفيدرالية الستة لهذه الدولة الأسيوية، ولكنها ستبقى خيار الطوارئ الأخير.
النظر إلى طبيعة الشخصيات التى تم ترحيلها من قطر يؤكد لك أن الدوحة لم تتعامل بقسوة مع الإخوان فمازال العديد من قيادات الإخوان الوسيطة على أرض قطر، ولعبة التغيرات التى حدثت فى الفترة الأخيرة دفعت بعض الوجوه المجهولة إلى صدارة المشهد الإخوانى وأغلبهم مازال فوق الأراضى القطرية، ولكن مع ذلك سيبقى أمام الإخوان مشكلة من قسمين.
القسم الأول أن تستمر الضغوط الخليجية على قطر فتتخذ الدوحة إجراءات أشد قسوة من فكرة الترحيل وأهمها على الإطلاق رفع دعم الجزيرة للإخوان، فإن حدث وتخلت الجزيرة عن الإخوان ستصاب الجماعة بحالة من الخرس الحاد، لأن الجزيرة كانت صوتها الذى يصل إلى الخارج وإلى داخل البيوت المصرية ولن تستطيع فضائيات الإخوان العاجزة مثل مكملين ورابعة والشرق تعويض الجزيرة وتأثيرها لأنها ستظل مجرد فضائيات يكلم فيها الإخوان الإخوان، أما القسم الثانى من المشكلة فيتعلق بأن الجماعة ستجد نفسها قريبا مضطرة إلى إعلان موقفها من الحرب التى تقودها أمريكا ضد داعش والميليشيات المسلحة فى ليبيا وفى سيناء، ستصبح الجماعة مضطرة إلى إعلان دعم الحرب على الإرهاب بحثا عن الرضا الغربى وتبرئة نفسها من تهم الإرهاب وفى تلك الحالة ستدعم ضرب متطرفى سيناء وميليشيات ليبيا التابعة لهم، أو تلجأ الإخوان إلى اللعبة القديمة وتلجأ إلى تقسيم الأدوار على قياداتها بعضهم يؤيد الحرب على الإرهاب وبعضهم الآخر يرفضها ويشكك فيها من أجل إرضاء الجماعات المتطرفة فى سيناء وليبيا، ومع ذلك ستبدو اللعبة مكشوفة أمام الجمهور المصرى الذى لم يعد يتقبل لعبة الإخوان الخاصة بوجود تيار إصلاحى داخل الجماعة يحتاج لدعمه فى مواجهة متطرفى الجماعة، لأن ما شهدته الساعات الأخيرة من شماتة إخوانية جمعاء فى هزيمة منتخب مصر من تونس جعل الشعور الشعبى تجاه الإخوان فى أعلى مراحل سلبيته، وصنع صورة داخل النفوس المصرية مؤمنة بأن الإخوان يكرهون المصريين ويرغبون فى الانتقام من كل مواطن شارك فى إزاحتهم من السلطة، الإخوان يكرهون البلد وفرحة أهلها، هم فقط يحبون تنظيمهم، ويحبون مصر إن كانت لهم، ودان أهلها لهم، أما إذا كان زمامها فى يد غيرهم فلا تستحق سوى الحرق والتخريب والشماتة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة