يحرص البعض على تقسيم المصريين إلى وطنى وخائن ومؤمن وكافر، وسلطة ومعارضة، بينما الحياة ممتدة، ومتدرجة، وكما قلنا فإن اختصار الحكم على الأشخاص من منظور علاقتهم بالسلطة يتجاهل تفاصيل مهمة، ويتجاهل الإبداع والمتعة.
وكنا نقصد الحكم على كتاب ومبدعين مثل نجيب محفوظ أو أحمد رجب وحتى شعراء مثل أحمد فؤاد نجم، لمجرد الاختلاف معهم، ورأينا فى تأبين الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم بعض المنتمين للتيارات الثورية من يزايد على وطنية وثورية نجم لمجرد أنه اتخذ مواقف تختلف عن مواقفهم التى هى أصلا قد لا تكون واضحة.
ونفس الأمر فى تقييم مواقف كتاب كبار مثل نجيب محفوظ واعتباره كان مؤيدا للسلطة، وهم هنا يخلطون بين الموقف من السلطة والموقف من القضية، ومعروف أن نجيب محفوظ ممن أيدوا اتجاه السادات فى رحلة القدس ومعاهدة السلام التى عقدها مع الإسرائيليين، وكان هذا موقف نجيب محفوظ من السلام وليس من السادات، وبالتالى فقد كان موقفه مؤيدا لزيارة القدس والمعاهدة وليس للسادات، والدليل أنه استمر فى موقفه بعد رحيل السادات، وكان تقييم نجيب محفوظ للسادات إيجابيا، على عكس كثيرين من اليسار واليمين، وكانت هى نفسها قناعات نجيب فى أعماله الأدبية. والأمر نفسه مع الشاعر أحمد فؤاد نجم الذى كان موقفه مؤيدا لثورة 30 يونيو، ولموقف الجيش، بالرغم من أن نجم لم يتوان عن انتقاد الأخطاء بعد هزيمة يونيو وقصائده شاهد، بل إن قصائده كانت طريقه للسجن، فضلا عن كونها كانت أيقونات للمظاهرات، سواء فى الستينيات والسبعينيات أو حتى فى ميدان التحرير يناير2001. ومع هذا فقد ظهر من يزايد على نجم، ومن يزعم علمه بالثورات فوق كل عليم.
والفرق بين نجيب محفوظ ـ أو نجم أو أحمد رجب ـ ومن اختلفوا معه أنه كان قادرا على استيعاب وجهات النظر الأخرى، ولم يدنها بل اعتبرها من طبائع الأمور. وكثيرا ما يكون الكاتب المبدع مستوعبا للخلاف فى الرأى أكثر من هؤلاء الذين يسجنون أنفسهم فى الأيديولوجيا. وبالتالى يبقون فى سياق الجمل المحفوظة، بل والنظريات المحنطة، التى تبدو عاجزة عن التعامل مع الواقع. بل أن نجيب محفوظ كان واعيا بعيوب هؤلاء وناقشها فى أعماله، لكنه فعل هذا بتعاطف، ونفس الأمر مع أحمد رجب الذى انتقد «الدوجما» السياسية. والمثير أن من تفرغوا للانتقاد لم يفكروا فى مراجعة قناعات ظلوا سجناء فيها عقود.