الانتماء للوطن ليس أمرا مجردا وإنما هو رباط معنوى ومادى، خلاصته أن يشعر المواطن أن له مكانا وحقوقا مثل الواجبات.. لماذا نقول ذلك؟.. بمناسبة ما أعلنه نائب المجلس الأعلى للقضاء عن عدم حق أبناء عمال النظافة فى الدخول للقضاء والنيابة لحساسية الموقع. وهو حديث كاشف، وليس منشئا.
لقد رأينا خلال عقود كيف كان الفقراء بل أبناء الطبقة الوسطى من العمال والفلاحين والموظفين مستبعدين من المناصب الكبرى.. وفرض التوريث قانونا، ليس فقط فى القضاء وإنما فى الخارجية والبنوك والبترول والشرطة. بينما الفقراء وأبناؤهم شركاء فى ضريبة الدم والتجنيد والشهادة. ومن حقهم أن يحصلوا على حقهم فى الوطن والفرص.
والفقراء، وبلا وساطة، ظلموا خلال العقود الأخيرة، وتعرضوا لتهميش وإقصاء، وكانوا ضحايا لسياسات وقرارات على مدى عقود. لم يثبت أنهم خانوا الوطن، أو شاركوا فى فساد، أكثر من غيرهم، وما حصلوا عليه كان فى صورة عطايا مع معايرة، لم تساهم فى رفعهم اجتماعيا.
كان التعليم هو الطريق الوحيد أمام المواطنين من الطبقتين الوسطى والفقيرة للترقى الاجتماعى والاقتصادى، وكان تفضيل المتفوقين حافزا لهم ليبذلوا جهدا فى الدراسة والتفوق. ومع الوقت تم استبعاد المتفوقين لصالح أبناء الكبار، حتى لو لم يكونوا متفوقين. وشاعت عملية توريث المناصب فى القضاء والخارجية والبنوك والبترول والشرطة وغيرها، وفى نفس الوقت توقف تجديد النخبة، بينما من كانوا يحصلون على مواقع بلا جهد لا يبذلون جهدا للتطوير والتقدم. ومع غياب الحافز يفقد الشباب الأمل.
قد لا يعنى ذلك أن كل أبناء الكبار فاشلين، لكن الكثير من الفاشلين كانوا يحصلون على تقديرات فى الجامعات لمجرد أن آباءهم أساتذة أو عمداء، وفاشلون حصلوا على مواقعهم لمجرد أنهم أبناء قضاة، وآلاف حصلوا على درجات ليست من حقهم وتم تعيينهم معيدين. ناهيك عن التلاعب فى التعيين، وكان يتم استبعاد المتفوقين بلا وساطة، واختفى الحافز ليحل مكانه المال والنفوذ.
ومن هنا فإن حرمان الابن المتفوق من النيابة أو المنصب لأن أبيه أمى، ظلم مزدوج لأن العامل أو الفلاح بذل جهدا مضاعفا لتعليم أبنائه، وثانيا لا ذنب لابن متفوق لنعاقبه على أمية الأب أو الأم.
العدل أن يكون التفوق والكفاءة أداة الصعود. وضرورة وضع قواعد واضحة لتكافؤ الفرص تطبق بشفافية ووضوح تحدد أسباب قبول أو رفض المتقدمين. حتى لا يفقد المواطنون شعورهم بالوطن. من حق ابن عامل النظافة المتفوق أن يحصل على المنصب العلمى أو العملى بجهده، مثلما يدفع ضريبة الدم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة