فى الحديث عن إمكانية عودة جماعة الإخوان إلى الساحة السياسية شرط نبذها للعنف واعترافها بثورة 30 يونيو تمنيات تصطدم بحقائق.
هى رغبة فى القفز إلى المستقبل ممن يطرحون ذلك، يقابلها تصميم على إراقة الدماء ممن يعجزون عن قراءة الواقع، لا شىء فى الأدبيات السياسية لـ«الجماعة» يشير من بعيد أو قريب إلى أنها تمتلك ثقافة النقد الذاتى، فالقوى السياسية تنجح بمقدار الارتقاء برؤيتها السياسية، تنجح بقدرتها على تصويب أخطائها، تنجح حين تجعل النقد الذاتى وسيلة لا تفارقها، تنجح حين تتقدم قيادتها باستقالتها طواعية وإدراكا للمسؤولية طالما عجزت عن تقديم الجديد، تنجح القوى السياسية وتواصل زخمها السياسى حين تملك هذه الحزمة من شروط الحياة.
هكذا تبقى الديمقراطيات الأصيلة، وقراءة سيرة الأحزاب المصرية قبل ثورة 23 يوليو 1952 وحتى الآن نموذجا دالا على تحدى البقاء.
جماعة الإخوان أكبر وأقوى نموذج للقوى السياسية التى تقاوم استمرارها حتى لو طال العمر بها، فمنذ تأسيسها فى عام 1928 وهى لا تجدد نفسها، اجتذبت الناس بالخطاب الدينى فأعطت نفسها حصانة ضد أى نقد، تعامل أعضاؤها على نحو أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة، فتحول الأمر إلى مأساة كاملة، وتأسيسا على ذلك، لم يضبطها أحد تنتقد نفسها مرة واحدة، لم نجد فى أدبياتها السياسية وقفة مع النفس، بل قامت بأكبر عملية تزوير فى التاريخ من أجل ألا يضبطها أحد متلبسة بالخطأ، قلبت الحقائق لتحولها إلى صالحها فكانت طعناتها ضد الجميع بلا هوادة، ومن هذه الخلفية لا يجوز اقتصار الشروط على نبذها للعنف والاعتراف بثورة 30 يونيو لأجل عودتها للحياة السياسية.
إذن ما هو المطلوب؟
هل يجوز أن يقبل المجتمع «الجماعة» سياسيا مرة أخرى فى ثوب حزبى حتى لو قالت: «نعن نعترف بثورة 30 يونيو»؟ هى تدين العمليات الإرهابية التى تقع منذ 30 يونيو، لكنها تغفل أنها هى التى توفر الغطاء السياسى لهذه العمليات.
هل لدى الجماعة القدرة على نقد نفسها ذاتيا؟ هل تمتلك الشجاعة وتعلن صراحة مسؤوليتها عن جرائم اغتيال النقراشى باشا، رئيس الوزراء، قبل ثورة يوليو 52؟ هل تعلن أنها وقتئذ اغتالت المستشار أحمد الخازندار نائب رئيس محكمة الاستئناف؟ هل تعلن أنها نفذت سلسلة تفجيرات مروعة فى حارة اليهود وضد شركات يمتلكها يهود، مما أدى إلى هجرة الكثيرين منهم فى نهايات أربعينيات القرن الماضى؟
هل تعلن صراحة مسؤوليتها عن محاولتها الفاشلة لاغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954؟ هل تعلن أنها مارست أكبر عملية كذب وتضليل حينما قالت إن جمال عبدالناصر دبر عملية اغتياله ليتخلص من الجماعة.
هى لن تنتقد نفسها فى كل ذلك، لأنها لو فعلت ستنسف كل الأسس التى عاشت عليها، وأظن أن هذا الوضع لا يرتبط بجيل قديم يتم التخلص منه، فالأصل فى بنية الخطاب السياسى للجماعة الذى يحتاج إلى نسف.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة