سحر طلعت

"فرج" ولوحة الإعلانات

الخميس، 25 سبتمبر 2014 08:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما تتجمع الأزمات، عندما تتحطم الآمال البسيطة على صخور الحياة القاسية، عندما يتوقف عقلك عن التفكير فى "إزاى هكمل الشهر، أجيب منين أكل للعيال"، عندما تنهار قواك الداخلية وتحنى رأسك من كثرة ما يثقلها من هموم.

هناك من يفر ويلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ويسارع إلى الصلاة باكيًا متضرعًا لله أن يتولاه وأن يدبر له أمره.

وهناك من يتملكه اليأس ويمتلئ قلبه بالغضب وقلة الإيمان، غافلاً عن أن نعم الله فى الحياة كثيرة وأن الخير آت، وأن مع العسر يسرا، وبتراكم المتطلبات اليومية وتزايد صعوبات الحياة ينظر للدنيا على أنها أصبحت عدوه الوحيد، وأنه لم يعد له مكان بها، فيسارع إلى وضع حد لقلة حيلته وضعفه من خلال إنهاء حياته فى مشهد مأساوى يدمى القلوب ويجرح النفس، مثلما شاهدنا فى حالة انتحار "فرج رزق" سائق النقل بإحدى شركات العبور، والذى لم ينتظر الـ"فرج" وتناسى الرزاق.
لم يكن قرار انتحاره وليد اللحظة، فعينه متعلقة دائمًا بإحدى اللوحات الإعلانية التى يمر عليها، حيث يراها عالية مثل طموحاته وآماله التى لا يطولها، وكلما مرت عليه أزمة قفزت صورة اللوحة بذهنه كان بها الخلاص لمعاناته.

ضيق ذات اليد وسوء الحال وتراكم الديون عليه التى تحولت إلى مذلة بالنهار وهم بالليل مع اقترابه من الخمسين دون تحقيق أى هدف يذكر.

كلها أمور ضاق بها صدره، فماذا يفعل سائق نقل لتحسين حالته المادية والقضاء على كل الأزمات وتحقيق كل أمانيه، هل يتحول إلى تاجر مخدرات أو سارق أو مرتشٍ ويخالف ضميره ووظيفته التى لا يتحصل منها إلا على جنيهات قليلة لا تكفى نفقاته ومن يعولهم؟ هل يسلك طريق الحرام المفتوح دائمًا؟

رفض فرج الذى لم ير أى فرج فى حياته -من وجهة نظره- أن يتحول إلى سارق أو يأكل من حرام، وإنما قرر أن ينهى عذابات نفسه وأن يصبح الخاسر الوحيد، بالانتحار كحل نهائى لن يسبب لأحد أى مشكلة بعد الآن، قرر الرحيل فى صمت، مهزوم، حزين.
"مات كافر" بالتأكيد دارت تلك الكلمة بذهنه، وهذا ما سيذكره زملاؤه عنه للأبد، وحاول استغفار ربه فهو لم يعد قادرًا على تحمل الهوان ونظرات الشفقة من الجميع، واعتبر نفسه ضحية الظروف.

فاشترى حبلاً طويلاً سميكًا وانطلق بسيارته، وبخطى ثقيلة صعد درجات العامود المعلق عليه اللوحة الإعلانية العالية، وسط دموع القهر والألم التى سالت من عينيه ليتطلع فى نظرة أخيرة إلى ما حوله، ليشنق نفسه فى مشهد درامى، ليظل معلقًا، تحلق روحه المعذبة بعيدًا ويبقى جسده شاهدًا ومثالاً على قلة حيلة مواطن مصرى.

هل انتحار فرج سائق سيارة النقل مشهد عبثى؟ أم أنه رسالة من مواطن مات كمدًا وحسرة من مجتمع تناسى الضعيف ولم يراع متطلبات الفقير وحقه فى حياة كريمة، ورغم أن هناك العديد من الفقراء قادرين على التحمل والمواصلة إلا أن هناك فئة أخرى لم تستطع المواصلة وسط آلام النفس فتقرر الرحيل فى هدوء، فحالات الانتحار مؤخرًا فى تزايد لأسباب متعددة على رأسها الأزمة المالية.

نحن لا نلتمس الأعذار لفرج أو غيره فلقد ارتكب فى حق نفسه أشنع جريمة وأكبر ذنب عند الله تعالى، وهو الكفر واليأس من رحمة الله، والهروب من حياته بقتل نفسه، إلا أن ذلك أيضًا لا يعفى أى مسئول أو جهة معنية من المسئولية والمحاسبة عنه وغيره ممن طحنهم المجتمع، فكلنا مذنبون فى حقهم للأسف.











مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة