وبدأت وتستمر من جديد الهوجة الإعلامية ضد المجتمع المدنى متخذة المزايدة على التمويل الأجنبى ذراعا هجوميا. وقد سبق وأن استخدمت تلك الفزاعة تحت نظام مبارك وتحت الحكم العسكرى بعد ثورة يناير لتقييد العمل الأهلى فى كل المجالات تنمويا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وحتى اقتصاديا أيضا وها نحن الآن نعيد إنتاج الفزاعة. والحقيقى أن المشكلة لا تكمن فى التمويل الأجنبى فى حد ذاته فالمفترض أن الجهات التى تقدم أى تمويل للمجتمع المدنى هى نفس الجهات بحد كبير التى تمويل الحكومة نفسها فى مجالات عديدة وهى مؤسسات دولية تحكمها أطر من الشفافية والحوكمة ومصادر أموالها وجهات صرفها معلنة بشكل رسمى ودورى، المشكلة الحقيقة تكمن فى النظرة الأمنية القمعية التى تنظرها الدولة البولسية للعمل الأهلى ودور المجتمع المدنى فى التوعية والتأهيل والتنمية والتى دوما ما تصنف من قبل الدولة الأمنية بأنها خطر يهدد استقرار الأنظمة على كراسى الحكم. وهذا يتمثل فى التعديل المفاجئ المطاطى الذى فتح الأقواس ولم يغلقها فى قانون العقوبات وذلك لتحكيم القبضة الأمنية.
وهذه النظرة لابد أن تتغير وندرك أن حرية عمل المجتمع المدنى فى توعية وتنمية الشعوب لا يشكل خطرا ولكن يشكل رقيا فى أن يتشارك المواطنون ويساهموا فى تقويم وإصلاح أنظمة من الوارد أن تخطأ ومن الواجب أيضا أن يتصدى الشعب للخطأ بوعى بهدف إصلاحه لبناء دولة سليمة. فالأنظمة تسقط بيد الشعوب وتبنى بيد الشعوب لا بيد الدولة الأمنية.
وقد كنا على مشارف إخراج قانون للجمعيات الأهلية يحقق التوازن المطلوب بين حرية العمل الأهلى من جهة ودور الحكومة والدولة للتصدى بأى أنشطة مجرمة غير منصوص عليها فى القانون من شأنها أن تهدد الأمن القومى وذلك عندما كانت وزارة التضامن الاجتماعى تحت قيادة الوزير الدكتور أحمد البرعى، ولكن فوجئنا الآن بمحاولة إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يقضى تماما على دور المجتمع المدنى فى مصر. مما دفع المجموعة المتحدة برئاسة الأستاذ نجاد البرعى عقد مؤتمر تحت اسم «المجتمع المدنى فى مصر الفرص والمخاطر» ودعا له معظم نشطاء وقيادات العمل الأهلى من القاهرة ومحافظات مختلفة وبحضور مسؤولين سابقين وحالين وأصدروا بيانا أنشر ملخصه لعل وعسى أن تدرك الوزارة أهمية الأخذ بما جاء به قبل فوات الآوان.
بداية وصف البيان التعديلات التى أدخلت على القانون بأنها تعديلات جائرة أدخلها مجهولون على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذى كان قد تقدم به الدكتور أحمد البرعى وزير التضامن الاجتماعى السابق إلى مجلس الوزراء لإصداره بعد أن حظى بتوافق مجتمعى غير مسبوق عليه. ومن المهم الإشارة إلى أن أول عمل قامت به وزيرة التضامن الجديدة كان سحب المشروع من مجلس الوزراء بحجة «إجراء مزيد من الحوار المجتمعى حوله»!!. وقد نفت كل من وزيرة التضامن الحالية والوزير السابق عليها صلتهما بتلك التعديلات الجائرة وتبرأ كلاهما منها. وأكد البيان على تثمين جهود وزارة التضامن الاجتماعى فى عهد الوزير الدكتور أحمد البرعى بتأسيس ورعاية اللجنة التى شكلها وضمت ممثلين لكل العاملين فى ميدان التنمية وحضرها ممثلون عن وزارات التعاون الدولى والتضامن الاجتماعى والخارجية لوضع مشروع قانون ديموقراطى. وتأييدهم وتمسكهم بمسودة مشروع القانون التى خرجت من اللجنة العليا للعمل الأهلى والمنشأة بالقرار الوزارى رقم 164 لسنة 2013 باعتبارها نتاج آلية ديموقراطية تضمن حرية العمل الأهلى من جانب وتضمن فى الوقت ذاته الحفاظ على الأمن القومى، برغم تبرّؤ الوزير السابق والوزيرة الحالية من هذه التعديلات الجائرة فالمشاركون يؤكدون رفضهم التام لهذه التعديلات ورفض الادعاء بأنها تأتى للحفاظ على الأمن القومى، حيث يرونها تؤدى إلى تقييد وتحجيم العمل الأهلى وتأميمه بعدة أشكال من ضمنها ما يلى:
- اعتبار أموال الجمعيات أموالاً عامة جاء مخالفاً لأحكام القضاء والفقه بخصوص أموال الجمعيات باعتبارها أموالاً خاصة يمكن حمايتها بأشكال قانونية عدة دون احتياج إلى إضفاء صفة المال العام عليها.
- مخالفة الدستور بجعله تأسيس الجمعيات فى حقيقته بالترخيص بدلاً من الإخطار بصرف النظر عن الألفاظ المستخدمة.
- اشتراط وجود مقر مستقل للجمعيات الأمر الذى يحرم الأفراد الأقل حظاً من الحق فى تكوين الجمعيات.
- إدراج عقوبات مبالغ بها وأخرى سالبة للحرية فى قانون ينظم عمل أهلى يمثل ترهيباً وتخويفاً لمن يعمل فى العمل الأهلى فى ظل وجود قانون العقوبات الذى يمتد تطبيقه إلى آية مخالفات يمكن أن ترتكب بشأن الجمعيات الأهلية.
فضلاً عن كثير من القيود والتعقيدات الأخرى التى تسمح بمزيد من التدخل الإدارى فى شؤون الجمعيات وتحد من حرية العمل الأهلى بلا مبرر.
إن المشاركين فى هذا المؤتمر يؤكدون على أن تلك التعديلات القانونية اللقيطة على مسودة القانون التى قدمتها اللجنة العليا للعمل الأهلى تناهض مبادئ ثورتى 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013 والمكاسب التى أكد عليها الدستور الجديد بخصوص حرية وأهمية العمل الأهلى.
إن ممثلى العمل الأهلى المجتمعين فى إطار هذا المؤتمر يمدون أيديهم بالتعاون للحكومة بكل إخلاص مؤكدين أن تحديات الوطن ومشاكله، وتحديات الإرهاب ومخاطره، وتطلعات التنمية والمستقبل الجديد تستدعى العمل المشترك بين كل قطاعات الدولة ونبذ شعور الريبة والتشكيك الدائم، مؤكدين أن انخراطهم فى العمل الأهلى ليس ترفاً بل رسالة وواجب لا يمكن التنصل منه بأى شكل من الأشكال مصرين على أن يدافعوا عن حرية العمل الأهلى واستقلاله ضد أى قوة أياً كانت تحاول النيل من تلك الحرية وهذا الاستقلال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة