عندما استجاب الرئيس السيسى لثورة 30 يونيو بالقرارات الشهيرة فى 3يوليو، لم يكن يخطط أن يصبح الزعيم المحبوب صاحب الشعبية الجارفة، لكنه كان يسعى فى المقام الأول إلى حماية البلاد التى يراها تنزلق أمام عينيه فى منحدر وعر، آخره دمار وظلام وحرب أهلية وتقسيم للتراب الوطنى واحتلال مقيت، وكان أن حمل روحه على كفه، وتحدى الإرادات الدولية للقوى العظمى الداعمة لمشروع الفوضى الخلاقة فى مصر، حجر الزاوية فى المنطقة، للوصول إلى منطقة الخليج الغنية وتفتيتها.
كان الرئيس السيسى «المشير والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك» يعلم التفاصيل الدقيقة لمشروع تدمير مصر، كم من الإرهابيين المتسللين من دول العالم دخل سيناء، كم من الإرهابيين يتمركز فى ليبيا بطول الشريط الحدودى استعدادا لساعة صفر، يجتاحون فيها الحدود للتعمية على ما يحدث فى سيناء، وكم من الإرهابيين يتمركزون داخل الجبال السودانية استعدادا للتدخل فى وقت واحد مع شراذم الشرق القادمة من غزة، والمتمركزة فى سيناء ومن الغرب الليبى بحسب نظرية قضم الأطراف، وشغل القوات المسلحة بمواجهة كتائب التنظيم الخاص الإخوانى فى المركز «القاهرة والدلتا وشمال الصعيد».
أمام معطيات كهذه وأكثر، كان لابد من اتخاذ قرار سريع وحاسم يحمى حدود البلاد من مخطط الاحتلال الجديد، ويحفظ الشعب الثائر ضحية حالة الاستقطاب المتعمد التى صنعها الإخوان مع سبق الإصرار والترصد، دون النظر لأى مردود من شعبية أو سلطة أو مغنم، ومع ذلك كان المردود هائلا، والشعبية التى تحققت للمشير السيسى آنذاك جارفة، رغم أنه اتخذ الخطوة الضرورية لإنقاذ البلاد والعباد ثم تراجع عدة خطوات إلى الخلف ليتولى الرئيس عدلى منصور مقاليد السلطة خلال المرحلة الانتقالية الثانية، وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية التى توجه الشعب من خلالها لانتخابه بالرئاسة بنسبة ساحقة وغير مسبوقة فى أى انتخابات نزيهة.
ورغم الشعبية الجارفة فى الداخل، مر الرئيس السيسى بصعوبات هائلة وحروب معلنة وأخرى خفية، على مستوى المواجهات المسلحة على أطراف مصر ، ودعم التنظيمات الإرهابية من قبل القوى الكبرى، ومحاولة التنظيم الدولى للإخوان حرق البلاد وجرها إلى مستنقع العنف والدم، بالإضافة إلى المقاطعة الاقتصادية التى استهدفت تركيع مصر، ودفع الناس دفعًا إلى كراهية زعيمهم المنقذ المحبوب، والانقلاب عليه قياسًا على ما حدث مع مبارك ومرسى، لكن الشعب الذكى الواعى، قبل التحدى وكلما وقع حادث إرهابى جددوا العزم على مواجهة الإرهابيين، وكلما اشتدت موجة المقاطعة انبرت الدول العربية الشقيقة بتقديم الدعم الواجب، وتجديد العهد بالمساندة والأخوة، وكلما علت موجة الهجوم والتشويه الإعلامى من الخارج ضمن حروب الجيل الرابع، حولها الشعب إلى حرب مضادة وأعربوا عن دعمهم الرئيس فى كل استطلاع أو مناسبة.
كانت الصورة شبيهة بصورة مصر فى الخمسينيات، زعيم وطنى قوى محبوب من شعبه، ولديه مشروعه الوطنى الخالص، زعيم عازف عن المكاسب وراغب فى تنمية بلاده، ورفع المعاناة عن الفقراء ومحدودى الدخل، زعيم يعرف قيمة بلده وثرواتها المهدرة، ولديه تصميم على وقف نزيفها بسواعد المصريين والنهوض إلى القمة بالعلم والإرادة ووقف الفساد، لكن هذا الزعيم المحبوب من شعبه يواجه أزمة عميقة مع قوى الاحتلال التى لا تريد أن ترى فى بلده إلا فريسة راكعة أسيرة للمساعدات والمنح، وعاجزة عن مواجهة ما يراد لها أو للمنطقة، وكان عديد من المراقبين والمتربصين يراهنون على سقوط البلاد أسيرة للحصار الغربى، والمقاطعة الاقتصادية والعزلة، مع إمكانية جر القوات المسلحة إلى حروب خارجية لاستنزاف مقدرات البلاد المستنزفة أصلًا.
لم يستسلم الرئيس السيسى للمخطط الهادف لتركيع البلاد على المدى المتوسط، عبر الحرب الاقتصادية ومنع المعدات العسكرية والأسلحة الضرورية لمواجهة الإرهاب، مع تقوية الأعداء ومنحهم دعما ماليا غير محدود، ورعاية كوادرهم الهاربة، والتعمية على تهريب السلاح للإرهابيين المتوارين فى الأنفاق والجبال على الأطراف، مع تخصيص ميزانية للحرب الإعلامية الموجهة، وما يسمى بدعم النشطاء «مجموعات الشتامين والمشوهين، وكتاب الشهادات المزورة للمنظمات الحقوقية الدولية».
فى مواجهة هذه الحرب الشرسة كان على السيسى أن يخوض حربًا مضادة، تبدأ بتقوية الجبهة الداخلية ومخاطبة كل الجهات المشاركة فى صنع الرأى العام، ودفع الروح الوطنية، والتجرد والعطاء والتضحية بديلًا للأنانية السائدة خلال العقود الماضية، مع تدعيم الحلف العربى فى مواجهة قوى الفوضى الخلاقة، ومشروع تقسيم المنطقة، فكان التنسيق على أعلى مستوى مع السعودية والإمارات والكويت والجزائر والبحرين والأردن، ثم كانت الرسائل السياسية لدول الاتحاد الأوروبى، للتأكيد على إعلاء المصالح مع الدولة المصرية، بدلًا من المراهنة على إسقاطها بدعم التنظيم الدولى للإخوان.
نجح السيسى فى إدارة جبهات الحروب المفتوحة بخبرة الجنرال صاحب الرؤية والرؤيا، وكانت كلماته الملهمة «هنشيل بلدنا على اكتافنا ومش هنسمح لأى حد إنه يضيعها»، لكن اللحظة الفاصلة والمعركة الكبرى كانت فى زيارته الأخيرة لنيويورك لإلقاء كلمة مصر أمام الدورة التاسعة والستين للأمم المتحدة، فالنجاحات التى حققها السيسى فى هذه الزيارة فاقت كل التوقعات، على المستويين السياسى والاقتصادى، ولا يمكن مقارنة هذا النصر المتحقق إلا بالانتصار الذى حققه جمال عبدالناصر فى مؤتمر باندونج عام 1955، فبعد مؤتمر باندونج، استطاع عبدالناصر أن يكسر طوق العزلة على مصر، ويتحول إلى رقم مؤثر فى سياسات العالم أجمع خلال حقبة الحرب الباردة، وذلك من خلال تدشين حركة عدم الانحياز والعمل على نصرة الشعوب المحتلة وإعلاء حقها فى تقرير مصيرها، وكذا دعم الدول النامية وتطلعاتها نحو مستقبل أفضل.
الآن يمكننا أن نؤرخ لمكانة السيسى دوليا، على أساس ما قبل زيارته لنيويورك وما بعدها، لقاءات القمة التى عقدها مع بان كى مون وفرانسوا هولاند وكاميرون وأوباما وزعماء العديد من الدول، كرست مكانته كزعيم دولة بحجم مصر، كما كرست موقف الدولة المصرية فى حربها المشروعة ضد الإرهاب وحسمت المعركة المزيفة غير المتكافئة مع التنظيم الدولى للإخوان وخلايا التطرف التابعة له. أيضًا كانت هذه الزيارة بداية لمكاسب اقتصادية هائلة ستظهر بوادرها فى وفود المستثمرين المشاركين فى المؤتمر الاقتصادى الموسع فى فبراير المقبل بالقاهرة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة