قبل أن تقرأ أى كلمة، أدعوك لمشاهدة فيديو مونديال كراسى البلاشون على موقع اليوتيوب، 5 من أهالينا الفلاحين البسطاء على ملعب نجيل صناعى يشتركون فى مسابقة الكراسى الموسيقية، وفى الخلفية المئات من أهالى القرية يشجعون بصوت عالٍ «يلا يا محمد.. يلا يا محمدين.. يلا يا صلاح»، وعلى حدود دائرة نصف الملعب، يقف حكم المباراة حاملا صافرة الانطلاق والنهاية.
كم السعادة التى يصدرها الفيديو إليك لا تقدر بأى ثمن، خاصة أنها سعادة خالصة نقية بعيدة عن شوائب القاهرة وضوضاء العاصمة وبعيدة عن لغة المصالح السائدة، سعادة مرتبطة بتفاصيل بريئة تبدأ بـ«الشال» على رأس المتسابقين، مرورا بـ «الجلابية الفلاحى» وطريقة رفعها أثناء التحرك، ونهاية بـ «البياض الناصع» فى كعوب المشاركين... ولمن لا يعرف سبب البياض الناصع، اسال صديق لك من الفلاحين سيخبرك أن بياض كعب الرجل جراء عمليات الزراعة والتواجد بصفة دائمة فى «الغيط» وقت الرى وتنقية الأعشاب والجمع، بل لو دققنا لوجدنا كعب أحدهم «مشقق».
كل أجواء الفرحة الكبيرة التى خرجت من أهالينا البسطاء، خرجت بدون ترتيب مسبق، خرجت لتؤكد أنهم بحاجة إليها، ينتظرونها منذ زمن طويل، ولكن لا يهتم بهم أحد، لا ينزل إليهم أحد، تركنا أهالينا فى الفلاحين وتركنا قرانا التى تربينا فيها، وانشغلنا بالمدينة والحضر وتفاصيلها المعقدة التى لا تنتهى.
أتحداك إن كنت تعرف البلاشون قبل هذا الفيديو، رغم أنها القرية التى أنجبت رجالا عظام تولوا مناصب مهمة فى الدولة بداية من وزير العدل الأسبق محمد سلامة ومحافظ القاهرة جلال مصطفى سعيد، ورئيس جامعة القاهرة الأسبق الدكتور مأمون محمد سلامة، والكاتب الكبير الراحل سلامة أحمد سلامة، واللواء أحمد إسماعيل الشيخ مدير أمن الإسكنرية السابق، واللواء محمد نجيب جميل مدير أمن شمال سيناء السابق، وغيرهم 80 أستاذا جامعيا، كلهم تركوا القرية وانشغلوا بحياتهم ودنياهم، قد يكونوا زاروها، لكنهم لم يشاركوا فى صنع بهجة مثل التى صنعها 5 من أهالينا الفلاحين البسطاء فى القرية بتلقائية شديدة.
البلاشون وغيرها من قرى مصر، ميت الديبة وأفلاطون وشباس عمير، نماذج حقيقية لقرى تعلم أبناؤها وتقلدوا مناصب، وتركوها ترقد فى الفقر، تعانى أوجاع غلاء المعيشة وضعف الخدمات، وسوء مياه الشرب والصرف الصحى وشبكات الكهرباء المتهالكة.
قرانا بحاجة إلينا، نريد أن تكون سعادة الكراسى الموسيقية ليست عارضة، بل دائمة منتظمة، لأننا «هنلف نلف ونرجع لأصلنا فى النهاية».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة