فى مصر الآن رئيس منتخب، وبحسب ما أعلنته لجنة الإشراف على انتخابات الرئاسة الماضية فإن هذا الرئيس حظى بإجماع جماهيرى لم يسبق له مثيل، وفى مصر أيضا حكومة تؤكد معظم استطلاعات الرأى أن غالبية الشعب المصرى تؤيدها، وقد أدت الحكومة اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى صاحب الشعبية الكبرى فى مصر الآن، ويمتلك الرئيس ومجلس الوزراء جميع الصلاحيات اللازمة لحكم مصر، ما يعنى أن بمصر الآن حكومة شرعية مائة بالمائة تستمد قوتها ممن صوتوا لها وممن رضوا عنها، كما أنها تبذل الكثير من أجل إصلاح الوطن والسير به نحو بر الأمان وهى الحقيقة التى لا أجد حرجا فى الإقرار بها برغم ملاحظاتى الكثيرة حول طريقة إدارة الدولة ومواردها وانحيازات الحكومة وسياستها، لكن للأسف ينسى بعض إعلاميونا هذه الشرعية الراسخة، ويريدون العودة بنا إلى مرحلة السيولة السياسية والارتعاش الحكومى مرة أخرى عبر ممارساتهم الممجوجة لإرهاب حقيقى للمجتمع المصرى عامة وبعض المسؤولين خاصة.
المؤسف أن بعض هذا الإرهاب ينبع من جهل حقيقى، وبعضه الآخر ينبع من صراعات المصالح، والأكثر أسفا أن معظم هذا الإرهاب لا يأتى من ينبوع المصالح أو الجهل وإنما يأتى تماشيا مع «الموجة» فلا يحتاج الرأى العام فى مصر إلى دراسات ولا أبحاث ولا سياسات ولا أزمات لكى ينساق وراء رأى ما، ويكفى أن يطلع علينا أحد السادة المذيعين ليشبع رغباته كممثل فاشل، متقمصا دور المجنون ويشد فى شعره ويجز على أسنانه ويزيد فى «كرمشة» وجهه ويغير من طبقة صوته ليقنعنا أنه سيتناول أمرا جللا ثم يبدأ فى عرض ما لديه من وجهات نظر جاهزة بطريقة يتخيلها حازمة فى حين أنها تكون فى كثير من الأحيان مضحكة، لكن للأسف لكثرة هذه النوعية من الأداء الإعلامى الإرهابى ظن الناس أن هذا هو الإعلام، وبعد الإلحاح المستمر أصبحت هذه النوعية من الإعلاميين هى السائدة، حتى أصبح تأثير هؤلاء الممثلون الفاشلون أقوى من تأثير أكثر المحترمين احتراما.
تلك الأزمة بفداحتها ظهرت بشكل واضح وصريح أثناء الجدل الذى دار حول حوارى مع المستشار الفاضل «إبراهيم الهنيدى» وزير العدالة الانتقالية وشؤون مجلس النواب، فبعض من إعلاميينا لم يرقه ما قاله الوزير الفاضل الذى كان يرأس قبل مجيئه للوزارة أحد أهم أجهزة محاربة الفساد فى مصر ألا وهو جهاز الكسب غير المشروع، الذى عاش عمره كله قاضيا يتمتع بسمعة طيبة وسيرة حسنة، حتى مكنته سيرته الحسنة من تولى أكبر الأجهزة الرقابية وأهمها، ثم كان اختياره وزيرا للعدالة الانتقالية بمثابة انتصار لأصحاب السيرة الحسنة على أصحاب الصوت العالى والمصالح المباشرة، ولأن رجل هكذا يعرف معنى الوطن ويدرك تمام الإدراك ما تمر به مصر تحدث معى بقلب مفتوح حول آفاق إقامة مصالحة وطنية مع فصيل الإسلام السياسى، ولأنه رجل قانون فى المقام الأول لم يغفل ما ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات العنف السياسى من جرائم بشعة يدينها كل صاحب عقل ويؤثمها ويجرمها، لكن أصحاب العقول الضيقة والمصالح المباشرة وهواة المشى فى «الهوجة» وشنوا ضده هجوما كبيرا وسعوا إلى تشويه سمعته والنيل من نزاهته، رغم أن كلام المستشار الهنيدى لم يخرج فى مضمونه عما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من لقاء وخطاب حول ضرورة التعايش السلمى، بل أنه يكاد يكون قد كرر كلام الرئيس عبد الفتاح السيسى حينما قال حول «الآخر» إن أردت أن تعيش معنا فلك مطلق الحرية بشرط «لا تأذينى ولا أأذيك» ومن لا يصدقنى فليراجع خطابات الرئيس وليراجع على وجه الخصوص ذلك الخطاب الذى أعلن فيه عن ترشحه للرئاسة حينما كان وزيرا للدفاع.
يؤسفنى أن أقر هنا بأن أعلامنا يحتاج إلى وقفة حقيقية مع ذاته ليطهر ذاته بذاته، قبل أن يصبح هذا الإعلام أداة لـ«نفخ فى الكير» وتدمير المصير، فأقل ما يقال حول هذا الإعلام إنه أصيب بالسعار نتيجة تحكم أقل العقول شأنا فى مصيره وتوجيهه، ناهيك عن أنه أصبح أداة فجة لأصحاب المصالح، والمثال هنا أيضا هو حوارى مع المستشار إبراهيم الهنيدى، فبعض من هاجمه كان يريد أن يصبح وزيرا وفشل، والبعض الآخر كان يريد منه أن يسوى قضاياه أمام الكسب غير المشروع وقت أن كان رئيسا لهذا الجهاز الحساس، ويؤسفنى أن أقول أن هذه المصالح هى التى تتحكم الآن فى مصير مصر وإعلام مصر وقرار مصر.
المادة 241 من الدستور المصرى الذى حظى بأكبر إجماع تاريخى على الدساتير المصرية تقول: «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية» فكيف يخالف «وزير العدالة الانتقالية» نص الدستور الحاكم للقوانين وهو الذى أقسم أمام الله والشعب والرئيس على رعاية الدستور والقانون، وليس المؤلم هنا أن يكون إعلامنا أداة لهدم أسس دستورية ومجتمعية بتأجيج الصراعات وإشعالها، لكن المؤسف حقا أن يصبح هذا الإعلام المسعور هو من يدير مصر ويتحكم فى قرارها السياسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة