واصل ابن بطوطة جولته فى اللاذقية، وقال فى الحلقة الماضية إنها مدينة عتيقة على ساحل البحر. يزعمون أنها مدينة الملك الذى كان يأخذ كل سفينة غصبا المذكورة فى سورة الكهف، وبسببه خرق سيدنا موسى سفينة صياد بصحبة سيدنا الخضر حين قال له "فأردت أن أعيبها"، ثم حكى حكاية ابن المؤيد ملحد اللاذقية الذى دخل السجن وخرج.
القاضى يناقش الملحد فى دينه
كان باللاذقية رجل يعرف بابن المؤيد هجاء لا يسلم أحد من لسانه، متهم فى دينه، يستخف بالدين، ويتكلم بأقبح الأمور فيه، فعرضت له حاجة عند طيلان ملك الأمراء، فلم يقضها له. فذهب إلى مصر، و قال أمورا شنيعة، وعاد إلى اللاذقية.
فكتب طيلان إلى القاضى جلال الدين يسأله فى قتله بوجه شرعى، فدعاه القاضى إلى منزله وناقشه فى الدين وتبين له إلحاده، بعد أن تكلم فى أمور أبسطها يوجب القتل، وقد أعد القاضى الشهود خلف الحجاب ليكتبوا محضرا بمقاله، وثبت عند القاضى ما قاله وأمر بسجنه، وأبلغ ملك ألأمراء بقضيته، ثم أخرج من السجن، حتى يخنق على بابه، ثم لم يلبث ملك الأمراء طيلان أن عزل عن طرابلس.
الأمير يعزل والمتهم يخرج
وولى أمرها الحاج قرطية من كبار الأمراء، وممن تقدمت له فيها الولاية، وبينه وبين طيلان عداوة، فأخذ يتتبع سقطاته وقراراته، وشكا إخوة ابن المؤيد القاضى جلال الدين، فأمر بإحضار القاضى والشهود الذين شهدوا على ابن المؤيد فأحضروهم الحراس وأمر بخنقهم، وأقتادوهم إلى ميدان بالمدينة حيث يخنق الناس، وأجلسوا كل واحد تحت مخنقته، ونزعت عمائمهم.
الأمير يأمر بخنق القاضى والشهود
ومن عادة أمراء تلك البلاد أنه إذا أمر أحدهم بقتل أحد من الناس يمر صاحب الحكم أمام الأمير على فرسه حتى يصل إلى مكان المتهم، ثم يعود إلى الأمير فيكرر استئذانه ويفعل ذلك ثلاثا، فإذا وافق فى المرات الثلاث أنفذ الأمر، فلما فعل الحاكم ذلك قامت الأمراء فى المرة الثالثة وكشفوا رؤوسهم وقالوا: أيها الأمير هذه سبة فى الإسلام يقتل القاضى والشهود. فقبل الأمير شفاعتهم وخلى سبيلهم.
إلى خارج اللاذقية
وخارج اللاذقية الدير المعروف بدير الفاروص، وهو أعظم دير بالشام ومصر يسكنه الرهبان، ويقصده النصارى من الآفاق، وكل من نزل به من المسلمين. فالنصارى يضيفونه. وطعامهم الخبز والجبن والزيتون والخل البكر. وميناء هذه المدينة عليها سلسلة بين برجين لا يدخلها أحد، ولا يخرج منها حتى تحط له السلسلة.
وهى من أحسن المراسى بالشام. ثم سافرت إلى حصن المرقب، وهو من الحصون العظيمة يماثل حصن الكرك. ومبناه على جبل شامخ، وخارجه مكان ينزله الغرباء، ولا يدخلون قلعته.
جبل لبنان جبل الصالحين
افتتحه من أيدى الروم الملك المنصور قلاوون، وعليه ولد ابنه الملك الناصر. وكان قاضيه برهان الدين المصرى من أفاضل القضاة وكرمائهم، ثم سافرت إلى الجبل الأقرع وهو أعلى جبل بالشام وأول ما يظهر منها من البحر، وسكانه التركمان. وفيه العيون والأنهار. وسافرت منه إلى جبل لبنان، وهو من أخصب جبال الدنيا، فيه أصناف الفواكه وعيون الماء والظلال الوافرة، ولا يخلوا من المنقطعين إلى الله تعالى والزهاد والصالحين، وهو شهير بذلك. ورأيت به جماعة من الصالحين قد انقطعوا إلى الله تعالى مما لم يشتهر اسمه.
موضوعات متعلقة
الحلقة الـ12.. ابن بطوطة: ابن تيمية أفتى بما أنكره الفقهاء.. والملك الناصر يأمر بحبس الإمام "الحنبلى" ويخرج عقب تظلم أمه.. ويشبه نفسه بالله حين نزل عن سلم منبره فى خطبة الجمعة.. ويسجن حتى موته بالقلعة
الحلقة الـ١٣.. ابن بطوطة يروى: حكاية ابن المؤيد ملحد اللاذقية الذى دخل السجن وخرج ليدخل القاضى والشهود بدلاً منه ويأمر الحاكم بإعدامهم فى ساحة الرماية
الجمعة، 05 سبتمبر 2014 03:25 م
ابن بطوطة
تحررها سارة علام
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة